الجمعة، 24 نوفمبر 2023

اشكالية قسمة التركات بنظر قاضي التنفيذ

إشكالية قسمة التركات بنظر قاضي التنفيذ

أ.د / عبد المؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

للقسمة طريقان الأول : قسمة الرضائية او الاختيارية التي يتراضى بشأنها الورثة أو الشركاء برضاهم واختيارهم ؛ وهي اسرع الطرق وأفضلها للقسمة حيث يقوم الورثة جميعا باتخاذ اجراءات  بنظرهم جميعا حيث يتفقوا على على كافة اجراءات القسمة ويقومون بالتوقيع والمصادقة على كافة الاجراءات والمحاضر اللازمة للقسمة كما قد تقع القسمة الاختيارية عن طريق اختيار الورثة او الشركاء لقسام يتولى هذه المهمة نيابة عنهم ولذلك تسمى القسمة في هذه الحالة بالقسمة الاختيارية  وليس الرضائية ؛اما الطريق الثاني للقسمة فهو القسمة الجبرية اوالقضائية وذلك حينما يمتنع بعض الورثة أو احدهم عن إجراء القسمة الرضائية ففي هذه الحالة يقوم احد الورثة برفع دعوى القسمة امام المحكمة المختصة فلا تقوم المحكمة بإجراء القسمة مباشرة  وإنما تحكم بلزوم إجراء القسمة ثم يقوم بعض  الورثة باستئناف الحكم فتقوم محكمة الاستئناف بتأييد الحكم الابتدائي الذي قضى بلزوم إجراء القسمة أي قسمتها بعد صدور الحكم نهائياً أو باتاً ، وبعد صدور الحكم الاستئنافي يقوم بعض الورثة بالطعن فيه بالنقض فتقوم المحكمة العليا بتأييد الحكم الاستئنافي وإحالة ملف القضية للتنفيذ بنظر المحكمة المختصة وهي المحكمة الابتدائية  حيث يتولى قاضي التنفيذ تنفيذ هذا الحكم وإجراء القسمة بنظره حيث  يخوض في موضوع اجراءات القسمة والمنازعات الموضوعية وردود الخصوم  ودفوعهم وتقاريرالخبراء والعدول وتقاريرهم واعتراض الخصوم عليها وكل ذلك أصلاً من المسائل الموضوعية وتنجم عن هذا الوضع  إشكاليات عدة سوف نشير اليها في سياق تعليقنا على الحكم الصادر عن الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 17/5/2011م في الطعن الشخصي رقم (43151) لسنة 1432هـ وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان غالبية الورثة تقدموا بدعوى أمام المحكمة الابتدائية المختصة التي تقع في نطاقها التركة فطلبوا من المحكمة إجراء القسمة لمخلف مورثهم فرد عليهم الوارث الابن الأكبر لمورثهم الحائز والمتصرف بالتركة بانه لا يمانع من اجراء القسمة واقر بان الأموال الواردة في الدعوى من التركة المطلوب قسمتها باستثناء  الفيلا والمحل التجاري  فهما من املاكه الخاصة حيث قدم وثائق تثبت  انه  تصالح مع أبيه في اثناء حياته حيث اتفق الطرفان   على ان تكون الفيلا والمحل التجاري للمدعى عليه مقابل سعيه وعمله مع أبيه مورث الجميع وقدم المدعى عليه للمحكمة الوثائق المؤيدة لذلك ، وقد توصلت المحكمة الابتدائية الى الحكم (بقبول الدعوى بإجراء القسمة بالنسبة للعمارة والفيلا وقسمتها بين  المدعين والمدعى عليه بنظر عدلين مختارين تحت إشراف المحكمة ورفض دعوى المدعى عليه الاختصاص  في الفيلا) فلم يقبل المدعى عليه بالحكم الاستئنافي حيث قام باستئنافه جزئياً فيما يتعلق بالفيلا وقد قام المدعون باستئناف الحكم جزئياً بالنسبة للمحل التجاري الذي قضى الحكم الابتدائي باختصاص المدعى عليه به ، وقد حكمت الشعبة الاستئنافية بتعديل الحكم الابتدائي ولزوم إجراء القسمة ، فلم يقبل الورثة المدعون بالحكم الاستئنافي الذي قضى باختصاص المدعى عليه بالمحل التجاري والفيلا حيث قاموا بالطعن بالنقض ، الا ان المحكمة العليا رفضت طعنهم وأقرت الحكم الاستئنافي ، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا (وحيث ان الحكم الاستئنافي المطعون فيه قد جاء منسجماً مع الوقائع والأدلة وموافقاً في النتيجة لأحكام الشرع والقانون لما قضى به من تعديل الفقرة الثانية وتأييد بقية فقرات الحكم الابتدائي) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:

الوجه الأول : ماهية القسمة القضائية او الجبرية وإجراءاتها :

القسمة القضائية او الجبرية: هي القسمة التي تتم بنظر القضاء لامتناع احد الورثة أو بعضهم عن إجراء القسمة الاختيارية أو الرضائية وتسمى هذه القسمة أيضاً بالقسمة الجبرية لأنها تجري جبراً على الورثة وليس اختياراً كما هو في القسمة الاختيارية او الرضائية ، وبناءً على هذا فان القسمة الجبرية أو القضائية تتم بحكم قضائي وليس عقدا رضائياً؛ وقد نظم القانون المدني إجراءات القسمة القضائية في المواد (من 1212 إلى 1219) ومنها حضور جميع الورثة أو الشركاء وحصر التركة وتقدير قيمتها واستخراج الديون ومصاريف الموت والوصايا  والوقف والنذر وتحديد الأنصبة وفرزها وان يتم ندب  عدلين خبيرين أو أكثر لإفراز الأنصبة وعدم التعويض بالنقود في القسمة الا بالتراضي أو قرار القاضي.

وفي اثناء إجراءات القسمة سواء الرضائية أو الجبرية تحدث نزاعات موضوعية لا حصر لها بشان نطاق أموال التركة التي يتم حصرها تمهيدا  لقسمتها وما اذا كان ماورد في كشوفات  الحصر هو كل مشتملات التركة ثم تحدث نزاعات موضوعية بشان تثمين مشتملات التركة واعتراضات الروثة الخصوم  على تقديرات الخبراء والعدول ثم تحدث إشكاليات ونزاعات أكثرً عند الفرز والتعيين لنصيب كل وارث أو شريك ، وتحتاج هذه الإشكاليات أو المنازعات الموضوعية الى قرارات موضوعية وليس تنفيذية كما ان مبدأ التقاضي على درجتين يقتضي  جواز الطعن فيها امام  محكمةالاستئناف  ثم الطعن بالنقض امام المحكمة العليا ، ولذلك فان الواجب ان يتم الفصل في هذه المنازعات الموضوعيةمن قبل  قاضي الموضوع المختص وليس قاضي التنفيذ.

الوجه الثاني: الفروق الجوهرية بين القسمة القضائية والقسمة الرضائية :

من خلال الدراسة لأحكام القسمة الرضائية والقسمة الاختيارية في القانون المدني نجد ان احكامهما متشابهة كثيراً لانهما وسيلتان  لفرز وتعيين نصيب كل وارث او شريك بحسب النصوص الشرعية والقانونية والاتفاقات السابقة فيما بين الشركاء والورثة ؛ إلا ان أهم فارق جوهري بينهما هو أن القسمة الاختيارية او الرضائية  تتم وفقاً للإجراءات التي يتفق عليها الشركاء أو الورثة في حين ان القسمة القضائية تتم بموجب الإجراءات المحددة في القانون إضافة إلى ان القسمة الرضائية تصدر باتفاقيات رضائية صادرة وموقعة من قبل الشركاء الورثة في حين ان القسمة الجبرية تصدر بموجب قرارات واحكام قضائية بتوقيع القاضي المختص علاوة على ان القسمة الرضائية بمثابة عقد بين الشركاء أو الورثة في حين ان القسمة القضائية الجبرية تتم بموجب حكم قضائي خاضع للطعن باعتباره حكماً.

الوجه الثالث : أفضلية القسمة الاختيارية على القسمة القضائية:

لا ريب ان القسمة الاختيارية أفضل من القسمة الجبرية او القضائية من نواحي كثيرة أهمها سرعة إجراءات القسمة الاختيارية حيث انها تتم بموجب اتفاق رضائي بين الورثة في حين ان إجراءات القسمة القضائية طويلة ومعقدة تتداخل فيها دعاوى الاختصاص التي يرفعها بعض الورثة مدعين فيها بان بعض الأموال المحسوبة ضمن التركة هي أموال خاصة بهم إضافة إلى كثرة القرارات القضائية التمهيدية وغيرها التي تصدر في اثناء إجراءات القسمة والتي تكون محلاً للتظلم والطعن فيها الذي يعرقل إجراءات القسمة كما ان القسمة بعد انتهائها بحكم منهي للخصومة من قبل المحكمة الابتدائية فان هذا الحكم الموضوعي يكون قابلاً للطعن فيه بالاستئناف ثم الطعن فيه بالنقض أمام العليا حيث تطول الاجراءات وتتعقد  ، فهناك قضايا قسمة لازالت منظورة أمام القضاء منذ أكثر من خمسين سنة حتى الان وانا مطلع عليها ، كما ان طوال إجراءات القسمة القضائية أو الجبرية يورث الأحقاد والضغائن بين الورثة الذين يتحولون إلى خصوم أمام القضاء بل وتحدث بينهم فتن تصل في أحيان كثيرة إلى قتل بعضهم بعضاً ، ولذلك ينبغي على القضاء ان يحرص حرصاً شديداً على ندب الخصوم للتصالح بدلاً عن القضاء ويجب على القاضي ان يوضح للخصوم طول إجراءات القسمة القضائية وتعقيدها براءة لذمته.

الوجه الرابع : إجراء القسمة الجبرية بموجب حكم قضائي الأولى بإجرائها قاضي الموضوع وليس قاضي التنفيذ :

من خلال ما تقدم  ظهر لنا ان المنازعات التي تثور بمناسبة إجراء القسمة تنفيذاً لحكم قضائي نهائي أو بات ظهر لنا انها منازعات موضوعية بحتة وان القاضي الذي يتولى إجراء القسمة تنفيذاً لحكم قضائي بات أو نهائي تصدر عنه قرارات ذات طابع موضوعي خاضعة للطعن بما في ذلك الطعن بالنقض الذي يمنعه القانون النافذ بالنسبة للقرارات الصادرة في منازعات التنفيذ ، علاوة على ان هذه القرارات تقرر وتنشى حقوقاً موضوعية، ولذلك فالواجب ان يختص بإجراء القسمة التي يتم الحكم باجرائها قاضي الموضوع وليس قاضي التنفيذ؛ والله اعلم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق