الثلاثاء، 17 أغسطس 2021

سبق الاصرار و الترصد بحث

*سبق الإصرار والترصد* 
 
 *بقلم المحامية* / 
 *نسمة عبدالحق النجار* .
https://www.facebook.com/profile.php?id=100035736483609

فارق المجني عليه حياته على يد الجاني الذي تحقق في جريمته القصد الجنائي وبقي لأولياء دم الأول المطالبة باعدام الثاني قصاصاً ، وسواءً توفر ظرفي سبق الإصرار والترصد او اي ظرف مشدد ام لم يتوفر ، فإن الإعدام هي العقوبة الأصلية ولا يؤخذ بأي ظرف مشدد لترقى عقوبة القتل العمد الى الاعدام ، هذا هو قول اسلامنا الحنيف والأنظمة القانونية التي تأخذ به، على عكس من لم تأخذ به كما سنرى في السطور القادمة من هذا الموضوع.
يعرف سبق الإصرار بأنه : العزم المصمم عليه قبل ارتكاب الجريمة ، والمفهوم الواسع له يمكن تطبيقه على الجروح والطعنات الإرادية ولايقتصر على جرائم القتل العمد فحسب ، ذلك ماذهب اليه اغلب شراح القانون.
كما يعرف بأنه : ظرف مشدد مضاف لأركان جريمة القتل العمد ، ويستلزم وجود مدة زمنية بين سبب الجريمة وارتكابها، كما نص القانون المصري في المادة (231/ عقوبات) ان الإصرار السابق هو : القصد المصمم عليه قبل الفعل. 
وهناك حالتان لتمييز وجود سبق الإصرار من عدمه بيانهما كالتالي: 
 الحالة الاولى وهي: القتل الذي يقع بعد التروي والإمعان والتفكير مرتبطاً بالعزيمة والإقدام ، وهذه الحالة تدل على شراسة الجاني وميوله متعمداً بإرادته لارتكاب الجريمة.
الحالة الثانية وهي :القتل الذي يقع بدافع الغضب والاثارة ، وفي هذه الحالة يكون الدافع مؤثر خارجي طارئ لايستطيع معه الجاني تقدير نتائج عمله فارتكاب الجريمة في الحال دليل على انتفاء وجود سبق الإصرار ، والوقت بين العزم والتصميم واقتراف جريمة القتل متروك لتقدير محكمة الموضوع ، لان سبق الإصرار حالة ذهنية بحته تثبت عادةً بالإعتراف والقرائن والظروف المصاحبة للجريمة .
ومن التطبيقات القضائية لسبق الإصرار ماقضت به محكمة التمييز عندما أدانت الجاني القاتل بجريمة القتل مع سبق الإصرار بعد ان تبين لها ان نية القتل اتخذت بكامل هدوء الجاني واستقراره الفكري والنفسي وهو يراقب ضحيته ويخطط ويعزم لإرتكاب الجريمة .
كما قضت في حكم آخر لها بإدانة المتهم بالقتل العمد مع سبق الإصرار لأنه تبين انه هيأ مسدسه ودخل محل المجني عليه واطلق عليه النار دون مقدمات ، وبهذا الشأن يقول القضاة في قرارهم : 'اذا كانت جريمة القتل قد وقعت بناءً على اتفاق سابق بين المتهمين فإن الظرف المشدد -سبق الإصرار- قد توفر".

ولكن هل مصطلح سبق الإصرار هو نفسه مصطلح الترصد الذي دائماً مايتلازم ويتلازب ذكرهما معاً ؟!
يتشابه المصطلحان في ان كلاهما ظرفاً مشدداً ، ويختلفان من حيث الطبيعة، فسبق الإصرار كما سبق القول هو حالة ذهنية بحتة وتقدير أدلته مسألة موضوعية بحتة، أما الترصد فهو ظرف عيني مشدد ويترتب على كليهما رفع العقوبة من السجن المؤبد او المؤقت الى الإعدام في الأنظمة التي لاتحذو حذو الإسلام .
والترصد يعني انتظار الجاني للمجني عليه في مكان معين لمباغتته والاجهاز عليه دون ان يستطيع الدفاع عن نفسه ، وفي اغلب الاحيان يسبق ذلك سبق إصرار وقد لايسبقه ، وفي قرار لمحكمة التمييز فإن الترصد بمعناه القانوني لايلزم ان يكون مقترناً او مسبوقاً بسبق الإصرار بل يصح ان يتواجد بدونه، ويتحقق سواء كان انتظار الجاني للمجني عليه في مكان مستتر كخلف جدار او ظاهر كطريق عام ، بل قد يكون في مكان خاص كأمام منزله ، ولايؤثر في قيام الظرف المشدد الخطأ في شخصية المجني عليه او الحيدة عن الهدف.
ويتكون ظرف الترصد من عنصرين احدهما زمني والآخر مكاني ، ويسري على جميع مرتكبي الجرائم سواء ً كانوا فاعلين اصليين ام مجرد شركاء فيها ، وإثباته يخضع للقواعد العامة، فهو واقعة مادية قد تثبت بالإعتراف او شهادة الشهود، وقد نص على الظرفين السابقين التشريع الفرنسي وتشريعات اخرى.
  اما القانون اليمني لم ينص او يسلك ذلك المسلك بل أخذ ما أخذت به الشريعة الإسلامية والتي لم تعترف بأي ظرف مشدد في الجرائم التي تثبت عمديتها وطالب اولياء دم المجني عليه بالقصاص، فالقصد الجنائي يُعرف بأنه: توفر النية عن علم وإراده لإحداث النتيجة الإجرامية، وذلك بتوقع وقبول النتيجة الإجرامية ، وفي القتل العمد العقوبة الأصلية هي الإعدام في الشريعة الإسلامية والقوانين التي تعتنقها كاليمن ولاتوجد عقوبة أشد من ذلك ، ولما كان الأمر كذلك فإنه لاعبرة بوجود او اعتناق اي ظرف مشدد طالما أدت جريمة القتل العمد الى وفاة المجني عليه ولو لم يتوفر اي ظرف مشدد كسبق الإصرار أو الترصد ، فهل هناك عقوبة أشد من الإعدام نتيجة القتل العمد ؟!
فالإسلام والقانون اليمني لم يعتنقا ذلك لأن القصد الجنائي قد تحقق بصفته الموحدة والعقوبة واحدة ولحرمة النفس وعصمتها في ديننا الحنيف اياً كانت وكيف ما كانت ظروف القتل مشددة او غير مشددة.
ومبرر الأخذ بفكرة القصد المشدد وتحديداً ظرفي سبق الإصرار والترصد في بعض النظم العقابية وخاصةً التي لاتعتنق الإسلام هو ان العقوبة في القتل العمد بتوافر القصد البسيط تختلف عنها عند توافر القصد المشدد كحالتي سبق الإصرار والترصد ، ففي الحالة الاولى تكون العقوبة اصلية لا تصل للإعدام وأقصى مايمكن أن تصل هو السجن المؤبد، ولكن في الحالة الثانية تكون العقوبة مشددة اكثر من الحالة الاولى قد تصل الى الإعدام.
ولكن هل يعني عدم ورود الظرفين محل الحديث نصاً في قانون العقوبات اليمني دلالة على عدم جواز الأخذ بهما ؟ 
أرى كما يرى معظم القانونيين ان لظرفي سبق الاصرار والترصد او اي ظرف مشدد دور في الاستئناس والتدقيق عند إضفاء الوصف والتكييف للجريمة ومعرفة مدى خطورة الجاني من عدمه ، وكذلك قد يساعد في التحقق من وجود حالة دفاع شرعي من عدمه ، فعند ثبوت سبق اصرار الجاني او ترصده للمجني عليه نكون امام اعتداء يستوجب الدفاع الشرعي ، فذلك عامل مساعد لقاضي الموضوع لتكييف القضية واضفاء الوصف القانوني المناسب لها، وكذلك عامل مساعد لإثبات المدافع انه كان بصدد دفاع شرعي، فتلك قرائن تدل على وجود نية مسبقة للإعتداء، وكذلك لمعرفة ما إذا كان القتل عمداً ام خطأً وغيرها من الارشادات والدلائل التي يمكن استنباطها من ظرفي سبق الإصرار والترصد .
و يوصي الكثيرون المشرع اليمني ويدعوه إلى إلإلى إعتبار ظرفي الإصرار والترصد ظرفين مشددين لعقوبة القتل العمد لتصل للتعزير عند سقوط الإعدام قصاصاً ، وذلك حتى لا يفلت الجاني من العقاب، الأمر الذي يستلزم من المشرع التدخل لكي لا تضيع الدماء لمجرد سقوط الاعدام قصاصاً عن الجاني وعدم وجود مستند للقاضي للحكم بالإعدام تعزيراً الا اذا توافر بجانب ظرفي سبق الاصرار والترصد احد الحالات التي وردت حصراً في المادة (234) من قانون العقوبات، فعند تحقق ذلك فالاعدام تعزيراً سيكون مستنده احد الظروف المشددة الواردة حصراً في المادة سالفة الذكر لا لتوافر ظرفي سبق الاصرار والترصد بمفردهما .


                       وبالأخير ،،،     
نلاحظ عظمة ورحمة ديننا الإسلامي الحنيف الذي يشع نوراً ويأبى أن ينطفئ ، كيف لا وهو من عند الله العادل الذي يأمر بالعدل والمساواة فحرمة النفس واحده وهي إحدى الكليات الخمس الذي يجب المحافظة عليها وردع كل من تسول له نفسه الاعتداء على بنيان الله في الأرض ، فلاعبرة بالتفرقة التي اخذت بها النظم التشريعية الوضعية التي لم تحذو حذو الإسلام ، وحسناً من المشرع اليمني ان انتهج نهج الشريعة الإسلامية وهذا ليس بغريب عنه فهو الذي نص في المادة الثالثة من الدستور على أن الشريعة الإسلامية مصدر كل التشريعات.

    انتهى هذا ( *وفوق كل ذي علمٍ عليم* )،،،