الأربعاء، 28 أغسطس 2019

ماهي الدفوع المتعلقة بالنظام العام

بسم الله الرحمن الرحيم
ماهية الدفوع المتعلقة بالنظام العام
                                                د. عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون
                                                 جامعة صنعاء
صارت الدفوع الكيدية في اليمن ظاهرة يعاني منها القضاء ويترتب عليها تعطيل أو تأخير البت في كثير من القضايا لاسيما إذا زعم الخصوم أن دفوعهم الكيدية  متعلقة بالنظام العام يتوجب على القاضي الفصل فيها بداية ، وهكذا  تطول إجراءات التقاضي  ويتأخر البت في القضايا ، وهذا الأمر ليس خاف على احد ولذلك يعكف كثير من المهتمين على دراسة ظاهرة  الدفوع الكيدية واقتراح الحلول والمعالجات الشرعية والقانونية لها , ولا ريب أن من أهم وسائل مكافحة ظاهرة الدفوع الكيدية هي تشخيص وتحديد الدفوع المتعلقة بالنظام العام وبيان خصائصها وأثارها والضوابط التي تميزها عن غيرها وشروطها،  وهذا ما سنتناوله في هذه العجالة ، وبحسب التبويب الأتي :
أولاً : تعريف الدفع في اللغة :
قد يراد بالدفع التنحية والإزالة حيث يقال دفع عنه الأذى بمعنى نحاه وإزالة عنه وحماه منه وفي هذا المعنى قوله تعالى (( ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله )
وقد تعني كلمة الدفع الاضطرار فيقال دفعه إليه كذا أي اضطره إليه فهو مدفوع أي مضطر ، وقد يراد بالدفع الرد فيقال دفعت الوديعة إلى صاحبها أي رددتها إليه ، وقد تأتي كلمة الدفع بمعنى الرمي والقذف ولذلك يسمى المدفع بالمدفع لأنه يدفع الطلقات أو المقذوفات ومن هذا المعنى قوله تعالى ( بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ) ، وقد تأتي كلمة الدفع بمعنى رد القول وإبطاله فيقال دفعت القول أي رددته بالحجة( )ومن ذلك قوله تعالى ( ادفع بالتي هي أحسن) ومن هذا المعنى الأخير أخذت تسمية الدفوع . 


ثانياً تعريف الدفع في القانون :
عرف قانون المرافعات النافذ الدفع بأنه دعوى يبديها المدعي عليه أو الطاعن إعتراضاً على موضوع الدعوى أو الطعن أو شروط قبولهما أو إجراء من إجراءاتهما ، وقد كان مقترح لجنة العدل والأوقاف بمجلس النواب أن يكون تعريف الدفع هو ( الوسيلة التي يتم بها الاعتراض عن موضوع الدعوى أو الطعن أو أي إجراء من إجراءاتهما أو الحق فيهما أو شروط قبولهما ) وهذا التعريف أفضل من التعريف الوارد في القانون النافذ لأسباب لا يتسع المجال لذكرها في هذه العجالة .

ثالثاً تعريف الدفع في الفقه :
يذهب بعض شراح القانون إلى تعريف الدفع بأنه ( وسيلة من وسائل الدفاع التي يستعين بها الخصم للرد على إدعاءات ومزاعم خصمه وصولاً لقطع السبيل على خصمه في الحكم له بما يدعيه وسواء كانت الوسيلة التي يستعين بها صاحب الدفع تتعلق بالخصومة ذاتها أو بإجراءاتها أو كانت موجه إلى أصل الحق المدعى به أو إنكار حق خصمه ابتداءاً في رفع دعواه( )

رابعاً تعريف الدفوع المتعلقة بالنظام العام :
هي الدفوع التي تتعلق بالقواعد التي وضعها المشرع لحسن سير جهاز القضاء مثل القواعد المتعلقة بحق النيابة العامة في مباشرة الدعوى الجنائية والقواعد الخاصة بتشكيل المحاكم واختصاصها  ونطاق ولايتها والقواعد التي يضعها المشرع لضمان تحقيق العدالة كاستجواب المتهم قبل حبسه وسماع الشهود بعد تحليفهم اليمين القانونية . ( )


خامساً : ماهية النظام العام :
عبثاً حاول شراح القانون وضع تعريف لفكرة النظام العام ، ولاشك أن العقبة في ذلك مرجعها إن فكرة النظام العام فكرة مرنة بطبيعتها قابلة للتجديد ، وفي هذا المعنى قالت الدائرة الجنائية لمحكمة النقض المصرية ( إن كان الشارع قد حاول تنظيم النظام العام إلا أن النصوص تدل في عباراتها الصريحة إن الشارع لم يحصر وما كان في مقدوره أن يحصر المسائل المتعلقة بالنظام العام والقوانين الجنائية والسياسية والإدارية والمالية ابداً متغيرة ) (  )
وفكرة النظام العام هي من الأفكار السائدة في جميع فروع القانون المختلفة وتلعب دورا هاما في النظام القانوني ، والاعتقاد السائد أن نظرية النظام العام تنطوي على فكرة عامة مجردة قد تترتب على هذا الاعتقاد نتائج بالغة الخطورة من بينها أن القاضي ربما أباح لنفسه أن يتخذ من النظام العام نظرية فلسفية أو دينية يؤسسها على مجموعة المبادئ الدستورية أو على سياسة التشريع العامة أو رأيه الخاص في المسائل الاجتماعية أو الفلسفية الأخلاقية أو الدينية .
وقد كانت فكرة النظام العام محل تعريفات عديدة لم تفلح أحداها في الوصول إلى الغرض المنشود حتى قيل بان النظام العام يستمد عظمته من ذلك الغموض الذي يحيط به ، فمن مظاهر سموه انه ظل متعالياً على كل الجهود التي بذلها الباحثون لتعريفه . (  )







سادساً خصائص النظام العام :
تقدم القول أن فكرة النظام العام مستعصية الضبط بسبب مرونة ونسبية هذه الفكرة وقابليتها للتطور ومن خلال ذلك تظهر خصائص فكرة النظام العام ويمكن تلخيص هذه الخصائص على النحو التالي :
1- العمومية – فالنظام العام من تسميته تظهر أهم  خصائصه وهي  العمومية لأنه يستند إلى قاعدة قانونية عامة مجردة ، فضلاً عن انه يحمي المصالح العامة إضافة إلى  امتداد فكرة النظام العام في شتى القوانين والنظم السياسية والإدارية والمدنية والجنائية والاقتصادية  وغيرها .
2- المرونة والتغير – فالنظام العام مرن ومتغير وليس جامداً ، فالمسائل التي تعد من قبيل النظام العام تتغير دوماً تبعاً للتغيرات السياسية والاقتصادية والإدارية والثقافية  التي تعتري الدول بين الفينة والأخرى ، فما يعد من النظام العام في دولة ما لايعد من النظام العام في دولة اخرى وما يعد من النظام العام في دولة في فترة ما لا يعد من النظام العام في  هذه الدولة  في فترة أخرى .
3- النسبية: فالنظام العام نسبي ، ويظهر هذا في تفاوت دوره في القوانين المختلفة ، فالنصوص الدستورية جميعها من النظام العام وكذا نصوص قانون العقوبات  وقانون العمل ، في حين تعمل فكرة النظام العام بشكل محدود في القانون المدني ، وهكذا يتفاوت نطاق فكرة النظام العام في القوانين المختلفة ، فالنظام العام لايظهر دوره أو أثره في القوانين المختلفة بشكل متساو  .
4- النص على النظام العام في الدستور والقوانين المختلفة ، فالنظام العام لا يكون كذلك إلا إذا تم النص عليه في القوانين بصيغة أمرة أو ناهية ، وتبعاً لذلك لا تعد كثيرا من الالتزامات والمفاهيم  الأخلاقية السائدة في المجتمع من قبيل النظام العام حتى لو كانت تحظى باحترام المجتمع طالما لم يتم النص عليها في القوانين .
5- تأثر النظام العام بالاتجاه العام للدولة ودورها ، فالملكية لوسائل الإنتاج كانت مجرمة في الدولة الاشتراكية حيث  كان و ينظر إلى تملك الأفراد لوسائل الإنتاج على انه يخالف النظام العام وبعد التغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في الدول الاشتراكية أواخر القرن الماضي صارت الملكية الخاصة من النظام العام حيث تنص الدساتير في تلك الدول على احترامها وصيانتها من المصادرة والتأميم
ومن ناحية أخرى فالنظام العام يتسع نطاقه ويضيق بحسب الاتجاه العام في الدولة حيث يتسع نطاق النظام العام إلى ابعد مدى في الدولة الاشتراكية ( المتدخلة) في حين يضيق نطاقه في الدولة الرأسمالية ( الحارسة ) ، وهناك توقعات علمية دقيقة بان يتسع نطاق النظام العام في الوقت الراهن متاثراً بالأزمة المالية التي تعصف بالنظام المالي والاقتصادي في العالم حيث تساند الحكومات القطاع الخاص في مواجهة هذه الأزمة فتقوم الحكومات بشراء حصص واسهم كثير من البنوك والشركات العملاقة فتصير الحكومة مالكة لنسبة كبيرة من حصص واسهم تلك البنوك وتلك الشركات كما صارت الحكومات جراء هذه الأزمة تتدخل كثيراً في الشئون الاقتصادية .
6- سمو النظام العام وعلوه لتعلقه بالمصالح العامة التي تسمو بدورها على المصالح الخاصة ، فالنظام العام يعبر عن سمو المصلحة العامة وعلوها على المصالح الخاصة ، والنظام العام يتعلق بالمصالح العامة سواء كانت هذه المصالح سياسية أم اجتماعية أم اقتصادية .
7- الإكراه والجبر ، فالنظام العام يكره الأفراد ويجبرهم على احترامه .
سابعاً: أنواع النظام العام :
القواعد القانونية التي تعد من النظام العام هي قواعد يقصد بها تحقيق مصالح عامة سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية تتعلق بنظام المجتمع وتعلو على مصلحة الأفراد فيجب تحقيق هذه المصالح العامة واحترامها ولا يجوز مخالفتها .
ولذلك يمكن القول بان هناك نظام عام سياسي ونظام اقتصادي وغيرهما ، وبيان ذلك على الوجه الأتي:
1- النظام العام السياسي : وهو النموذج التقليدي للنظام العام ويستهدف بصفة خاصة حماية المبادئ الأساسية التي يقوم عليها المجتمع وذلك بحماية الدولة والأسرة والفرد ، فالمساس بسيادة الدولة واستقلالها ووحدة أراضيها من النظام العام وكذا يعد من النظام العام  كل مايمس بنظام الدولة الداخلي الاجتماعي والسياسي والاقتصادي ونظام الحكم وامن الناس الداخلي(  )
وكذلك يعد مايمس دماء وأعراض وحريات الأفراد وأموالهم من النظام العام السياسي .
2- النظام العام الاقتصادي : هو النظام الاقتصادي الذي يركز عليه مجتمع معين فهو البنيان الذي يقوم عليه المجتمع ، فكل مايمس هذا النظام العام الاقتصادي يعد من النظام العام .
3- النظام العام التشريعي : وهو النظام العام الغالب وهو الذي يستند ويعتمد على النصوص القانونية الإمرة والناهية ، وهذا هو النظام العام المحافظ حيث يظل ثابتاً ومحافظاَ بحسب ثبات القوانين  .

4- النظام العام القضائي : - فقد يقرر القاضي ما إذا كان النص القانوني يتعلق بالنظام العام مهتديا بالمصالح العليا للدولة والمجتمع حتى ولو ظل  التشريع صامتاً بشأن هذه المسالة ، وهذا ما يسمى بالنظام العام الثوري بالنظر إلي تغيره بفعل اجتهاد القضاء , والنظام العام القضائي يطلق أيضاً على القواعد التي تهدف إلى  تنظم جهاز القضاء والتي تهدف إلى تحقيق العدالة في المجتمع .

ثامناً : أمثلة على الدفوع المتعلقة بالنظام العام في القانون الجنائي:
يعتبر الدفع متعلقاً بالنظام العام إذا تعلق بالقواعد المقررة لمصلحة المجتمع ، وتشمل جميع القواعد التي لا تخص الحماية المباشرة للمتهم مثل القواعد المتصلة بالتنظيم القضائي كعدم جواز اشتراك القاضي في الحكم بالنسبة للقضية التي يكون قد قام بإجراء تحقيق فيها ، وكذلك القواعد التي تتعلق بحقوق الدفاع التي تتصل اتصالاً وثيقاً بالمبادئ العليا الواجب مراعاتها  حتى ولم يكن هناك نص صريح يشير إليها ، مثل عدم جواز تحليف المتهمين اليمين قبل استجوابهم وتحريم وقوع أي إكراه عليهم أو إغراء أو خداع أو استعمال وسائل البحث الحديثة على وجه غير مشروع كان يتم ذلك بغير موافقة صريحة من المتهم ، وكذلك الاعتداء على المتهم لحمله على الاعتراف وكذلك إذا كان الإجراء مخالفاً لقاعدة دستورية أو كان من شانه الإخلال بالضمان الأساسي للدفاع كعدم استجواب المتهم  إطلاقاً أثناء مرحلة التحقيق .


وخلاصة القول أن القواعد المقررة للمصلحة العامة ( النظام العام ) كثيرة ومتعدده ولذلك تتعدد الدفوع التي تتعلق بالنظام العام ومن أمثلة تلك الدفوع :
1- الدفوع المتعلقة بانقضاء الدعوى الجزائية وهي:
- الدفع بانقضاء الدعوى الجنائية بالتقادم.
- الدفع بانقضاء الدعوة الجنائية بالوفاة.
- الدفع بانقضاء الدعوى الجنائية بالتنازل عن الشكوى .
- الدفع بانقضاء الدعوى الجنائية بالتصالح .
- الدفع بعدم  جواز نظر الدعوى لسبق الفصل فيها .

2- الدفوع المتعلقة بالاختصاص وهي:
- الدفع بعدم الاختصاص النوعي.
- الدفع بعدم الاختصاص الشخصي.
- الدفع بعدم الاختصاص الوظيفي.
- الدفع بعدم الاختصاص ألولائي.
- الدفع بعدم الاختصاص المحلي.
3- الدفع بعدم قبول الدعوى الجزائية لرفعها من غير ذي صفة .
4- الدفع بتوفر القانون الأصلح للمتهم .
5- الدفوع المتعلقة بالبطلان المطلق والانعدام .
وبما أن الدفوع المتعلقة بالبطلان هي من الدفوع المتعلقة بالنظام العام ، فينبغي علينا أن نذكر بعض الأمثلة على هذه الدفوع وعلى النحو الأتي :
1- مخالفة أحكام القانون المتعلقة بولاية المحكمة بالحكم في الدعوى
2- مخالفة أحكام القانون المتعلقة بالاختصاص النوعي للمحكمة
3- مخالفة الأحكام المتعلقة بعلنية الجلسات .
4- مخلفة الأحكام المتعلقة بإجراءات الطعن بالأحكام .
6- مخالفة أحكام القانون المتعلقة بتشكيل المحكمة .

تاسعاً: خصائص الدفوع المتعلقة بالنظام العام :
لهذا النوع من الدفوع خصائص تميزها عن غيرها،ومن هذه الخصائص ماياتي:
1- لايجوز التنازل عنها صراحاً أو ضمناً
2- لايجوز للخصوم أن يضعوا عقبات تحول بين القضاء وبين ترتيب الآثار التي يقرها القانون على هذه الدفوع .
3- يجوز للمتهم الدفع بهذه الدفوع في أية حالة تكون عليها الدعوى ولو لأول مرة أمام محكمة النقض بالشروط التي سنذكرها بعد قليل .
4- إذا اغفل المتهم التمسك بالدفع المتعلق بالنظام العام فعلى النيابة العامة أن تتمسك به وتعتبره الوجه الوحيد الذي تستند  إليه في طعنها ، وعند إغفال المتهم والنيابة التمسك به فللقاضي إثارته من تلقاء نفسه ويستند إليه ولو عارضه أطراف الدعوى .
5- بما أن الدفع المتعلق بالنظام العام من الدفوع الجوهرية فان  المحكمة ملزمة بالرد عليه قبولاً أو رفضاً الرد المدعم بالدليل فان اغفل الحكم ذلك كان قاصر التسبيب( ) .
















عاشراً : الدفوع المتعلقة بالنظام العام التي يجوز تقديمها أمام محكمة النقض :
ذكرنا فيما سبق أن من خصائص الدفوع المتعلقة بالنظام العام انه يجوز الدفع بها في أية حالة تكون عليها الدعوى حتى ولو كانت هذه الدعوى منظورة أمام محكمة النقض ، لان هذه الدفوع بحكم تعلقها بالنظام العام تعتبر مطروحة من تلقاء ذاتها على الدوام أمام محكمة الموضوع وعليها أن تبحثها من تلقاء ذاتها ومن ثم طرحها فان طرح المسألة المتعلقة بالنظام العام  لأول مرة أمام محكمة النقض لا يعتبر في واقع الأمر طرحاً جديدا بمعنى الكلمة لان محكمة الموضوع كان يجب عليها من تلقاء ذاتها أن تتعرض لكافة المسائل القانونية المتعلقة بالنظام العام دون انتظار لدفوع الخصوم ، ولكن تصدي محكمة النقض للدفوع المتعلقة بالنظام العام التي تطرح عليها لأول مرة مشروط بأربعة شروط :
1- ألا يكون الدفع قد أثار مسالة حازت قوة الشيء المقضي به
2- أن تكون عناصر الدفع مستفادة من الحكم المطعون به أو من أوراق سبق طرحها ولو بصورة عارضة على محكمة الموضوع.
3- ألا تكون في إثارة الدفع إساءة لمركز الطاعن. 
4- ألا تتطلب تلك الدفوع المتعلقة بالنظام العام تحقيقا موضوعيا من محكمة النقض .














احد عشر : علاقة الدفوع المتعلقة بالنظام العام بالدفوع الجوهرية :
الدفوع الجوهرية هي الدفوع الهامة والموثرة في الدعوى والتي يتغير عند الأخذ بها وجه الراي في الدعوى ، وبمعنى أخر الدفع الجوهري هو ذلك الدفع الذي لو صح لرتب عليه القانون أثراً  قانونيا لصالح المتهم سواء تعلق هذا الأثر بنفي الجريمة آو امتناع العقاب أو تخفيفه أو عدم توفر حق الدعوى الجنائية أو سلطة المحكمة في نظرها ، أي أن الدفع الجوهري هو ذلك الدفع الذي لوصح   لانهدمت به التهمة أصلا .(  )
ويذهب اغلب شراح القانون الجنائي إلى أن الدفوع الجوهرية فقط هي التي تتعلق بالنظام العام (  ) ولذلك نجد انه من اللازم الإشارة بإيجاز بالغ إلى الأحكام العامة للدفوع الجوهرية على النحو التالي :
ضوابط تحديد الإجراء الجوهري : لم يحدد القانون  المقصود بالإجراء الجوهري وإنما ترك هذا التحديد لاجتهاد الفقه والقضاء ، وقد استقر اجتهاد الفقه والقضاء على أن يتم استنباط ضوابط تحديد الإجراء الجوهري في ضوء الحكمة التي تقف من وراء كل نص يقرر إجراءا معينا، فإذا كان الغرض من الإجراء الإرشاد والتوجيه فلا يكون الإجراء جوهريا ، أما إذا كان الغرض من الإجراء هو على حماية  مصلحة عامة أو الوجوب فان الإجراء يكون جوهريا ، وفي ضوء ذلك توصل الفقه والقضاء إلى الضوابط الآتية:
أ- ضابط المصلحة العامة في حسن سير جهاز القضاء ، فالقواعد التي وضعها المشرع لحسن سير جهاز القضاء لاشك أنها ترتبط بالمصلحة العامة للجميع في كفالة فعالية هذا الجهاز ولذلك فان جميع الإجراءات المتعلقة بحسن سير هذا الجهاز تعد إجراءات جوهرية .


ومثال ذلك القواعد المتعلقة بحق النيابة العامة في تحريك الدعوى الجنائية والقيود التي ترد على النيابة العامة في هذا الشأن وكذلك القواعد الخاصة بتشكيل المحاكم واختصاصاتها ونطاق ولاياتها .
ب- ضابط مصلحة الخصوم في الدعوى ، فالإجراء يعد جوهريا إذا كان قد نص عليه المشرع لمصلحة الخصوم في الدعوى تحقيقا للعدالة كالإجراءات المتعلقة بحضور الخصوم إجراءات التحقيق وإعلانهم بالحضور أمام المحاكم وكذلك جميع الإجراءات المتعلقة بإعلان الأوامر والقرارات والأحكام .
جـ - ضوابط احترام حقوق الدفاع ، فالإجراءات  المتعلقة بحق الدفاع تعد جوهرية لتعلقها بمصلحة أساسية للمتهم ومصلحة المجتمع في إقامة العدل والمساواة ومثل ذلك حق المتهم في الدفاع عن نفسه ، ونفي التهم المنسوبة إليه وتفنيد أدلة الثبوت .
د- ضابط الغاية من الإجراء ، يعد الإجراء جوهريا إذا كان المشرع قد نص عليه لإنتاج اثر قانوني يتعلق بسير الدعوى أوالفصل فيها (  )
فالإجراء يكون جوهريا إذا كان مرتبطا بالغاية أو الهدف المرجو تحقيقه من الإجراء .

هـ - ضابط الرابط بين الإجراء الجوهري والشرعية الإجرائية وقرينه بالبراءة ،حيث يذهب الدكتور احمد فتحي سرور إلى أن الإجراءات الجوهرية ليست إلا نوعا من ضمانات الحرية الشخصية التي يتمتع بها المتهم باعتبار القضاء هو الحارس الطبيعي للحريات ، والهدف من هذه الضمانات هو كفالة التزام السلطات الإجرائية باحترام الشرعية الإجرائية





اثنا عشر:موقف القانون اليمني من الدفوع المتعلقة بالنظام العام والدفوع الجوهرية :
تناول قانون المرافعات النافذ الدفوع المتعلقة بالنظام العام في المادتين (185) و (186) حيث نصت المادة (185) على أنه ( إذا كان الدفع متعلقاً بالنظام العام جازا إبداؤه في أيه مرحلة من مراحل الخصومة ولو أمام المحكمة العليا وعلى المحكمة أن تقضي به من تلقاء نفسها بحكم مستقل وقبل الفصل في الموضوع ) في حين نصت المادة ( 186) على أن ( تعتبر من النظام العام الدفوع الآتية:
1- الدفع بعدم اختصاص المحكمة بسبب نوع الدعوى
  2- الدفع بعدم صحة الدعوى  لفقدان شرط من شروطها .
3- الدفع بعدم توجه الدعوى لكون احد المتداعيين ليس خصماً شرعيا له ولاية التقاضي عن غيره فيها أو ليس أهلا للتقاضي .
4- الدفع بعدم سماع الدعوى لتقدم ما يكذبها محضاً.
5- الدفع بعدم قبول الطعون التي لها مواعيد لعدم تقديمها في مواعيدها المحددة لها.
6- الدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسبق الفصل فيها .
7 الدفع بعدم دستورية القانون )

كما أشار قانون المرافعات إلي بعض أحكام النظام العام وذلك  في المادة (52) التي نصت على انه إذا كان  البطلان راجعاً إلي مخالفه القواعد المتعلقة بالنظام العام جاز التمسك  به لكل ذي  مصلحة وللنيابة العامة في أي مرحلة كانت عليها الدعوى وعلى  المحكمة أن تقضي به  في تلقاء نفسها)
وبصدد الدفوع الجوهرية فقد أشار إليها قانون المرافعات النافذ مجرد إشارة  وذلك في المادتين  49.48 حيث نصت المادة (49) علي انه (يقع باطلاً  كل إجراء  مشوب بعيب  لم تتحقق منه الغاية  المطلوبة )
أما قانون الإجراءات  الجزائية  النافذ فقد أشار  إلي الدفوع الجوهرية والدفوع المتعلقة بالنظام  العام في المادتين   397.396 حيث نصت المادة 396 علي انه (يقع باطلاً كل إجراء جاء مخالفا لأحكام  هذا القانون إذا نص القانون صراحة على بطلانه أو إذا كان الإجراء الذي خولف أو أغفل جوهرياً) في حين نصت الماد ة (397) على أنه (إذا كان البطلان راجعاً لعدم مراعاة أحكام القانون المتعلقة بكيفية رفع الدعوى الجزائية أو بتشكيل المحكمة أو بولايتها بالحكم  في الدعوى أو بعلانية الجلسات أو تسبيب الأحكام أو حرية الدفاع أو علانية النطق بالأحكام أوإجراءات الطعن أو العيب الإجرائي الجوهري المهدر لأي حق من حقوق المتقاضين فيها أو غير  ذلك مما هو متعلق بالنظام العام جاز التمسك به من جميع الأطراف في أي حالة كانت عليها الدعوى وتقضي به المحكمة من تلقاء نفسها ويعتبر تضمين الحكم تخييراً للمحكوم عليه بين عقوبة الحبس والغرامة بطلانا يتعلق بالنظام العام ) .
وعند استقراء النصوص المتقدمة يظهر لنا الأتي :
1- تداخل الدفوع المتعلقة بالنظام العام والدفوع الجوهرية .
2- الدفوع المتعلقة بالنظام العام والدفوع الجوهرية المذكورة في النصوص ذكرت على سبيل المثال وليس الحصر .
3- تضمنت النصوص السالفة ذكرها بعض الضوابط لتحديد الدفوع بالنظام  العام والدفوع الجوهرية حتى يكون بالإمكان تمييزها عن غيرها.