الاثنين، 27 نوفمبر 2023

الخطأ في التكيف من مسائل القانون

*الخطأ في التكييف من مسائل القانون*

*أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين*
*الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء*
https://am-shjaaaldeen.blogspot.com/2022/12/blog-post_30.html
▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂

*▪️التكييف هو إطلاق التسمية القانونية الصحيحة على الفعل أو التصرف، وفي ضوء هذا التكييف يكون تطبيق النصوص القانونية   ذات  الصلة بالفعل أو التصرف الذي تم تكييفه ، ولذلك فإن الخطأ في التكييف من مسائل القانون حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة الإدارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 29-12-2011م في الطعن رقم (47378)، الذي ورد ضمن أسبابه: ((وحيث ان الحكم المطعون فيه قد استند إلى تلك النصوص التي لا تنطبق بحالاتها وضوابطها وشروطها مع حقيقة القرار الإداري، وهو ما ادى بالحكم إلى نتيجة مخالفة للقانون، ومعلوم ان الخطأ في التكييف من مسائل القانون التي تخضع فيها محكمة الموضوع لرقابة المحكمة العليا))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية:*
▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂
*▪️الوجه الأول: ماهية التكييف للوقائع والتصرفات:*
▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂

*▪️التكييف القانوني: هو إطلاق التسمية القانونية الصحيحة على الوقائع والتصرفات، أو هو: تحديد الوصف القانوني الصحيح للوقائع والتصرفات تمهيداً لتحديد النصوص القانونية الواجبة التطبيق على تلك الوقائع والتصرفات، وهناك من يذهب إلى تعريف التكييف القانوني بأنه: تحليل الوقائع والتصرفات تمهيداً لوصفها الوصف القانوني الصحيح، فالتكييف عملية ذهنية تتمثل في إنزال حكم القانون على الوقائع والتصرفات المراد تكييفها، وتظهر الحاجة للتكييف القانوني لأي حادثة أو واقعة إرادية أو فعلاً مادياً أو واقعة طبيعية أو مسألة، ذلك ان الوقائع غير متناهية والنصوص الشرعية أو القانونية متناهية، فكل واقعة أو تصرف بحاجة إلى بيان حكمها، مما يعني ان التكييف بهذا الاعتبار غير مختص بفرع دون فرع آخر من فروع القانون، فالتكييف لازم في القوانين الموضوعية والإجرائية، والتكييف القانوني من اهم التحديات التي تواجه القاضي والمحامي والمستشار القانوني (الشروط السلبية العامة لوجود الحق في الدعوى القضائية /د. محمد السيد التحيوي، ص183).*
▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂
*▪️الوجه الثاني: الآثار المترتبة على الخطأ في التكييف:*
▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂

*▪️الخطأ في تكييف الواقعة اوالتصرف يعني ببساطة أنه تم تسمية الواقعة أو التصرف بغير اسمها أو وصفها القانوني الصحيح، وذلك أمر خطير إذ يترتب على ذلك تطبيق نصوص قانونية على الواقعة غير تلك المحددة في القانون للواقعة أو التصرف، ولا ريب ان ذلك يؤدي إلى إهدار الحقوق والمصالح التي اراد القانون حمايتها والحفاظ عليها عن طريق تنظيم القانون لها، ومؤدى ذلك ان الخطأ في تطبيق القانون يمس النظام العام.*
▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂
*▪️الوجه الثالث: الخطأ في التكييف مسألة قانونية وليس موضوعية:*
▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂

*▪️من خلال مطالعة الوجهين السابقين يظهر ان التكييف عملية قانونية بحتة، لأنه عبارة عن وصف الوقائع والتصرفات باسمها القانوني الصحيح، ومن ثم تطبيق النصوص والأحكام المقررة في القانون على الواقعة أو التصرف، وبناءً على ذلك فإن الخطأ في التكييف يعني أيضاً الخطأ في تطبيق القانون، وعلى هذا الأساس فإن الخطأ في التكييف مسألة قانونية وليست موضوعية.*
▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂
*▪️الوجه الرابع: إختصاص المحكمة العليا بالرقابة على سلامة التكييف للوقائع والتصرفات:*
▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂

*▪️خلصنا في الوجه السابق إلى أن التكييف مسألة قانونية بحتة، ومن المؤكد ان المحكمة العليا محكمة قانون وظيفتها الجليلة هي الرقابة والسهر على سلامة تطبيق القانون، وبناءً على ذلك فإن المحكمة العليا معنية بالرقابة على سلامة وصحة التكييف للوقائع والتصرفات، ولذلك لاحظنا أن الحكم محل تعليقنا قد تصدى للخطأ في التكييف، لان ذلك من صميم اختصاص المحكمة العليا، فضلا عن أن الخطأ في التكييف من النظام العام حسبما سبق بيانه، والله اعلم.*
https://t.me/AbdmomenShjaaAldeen

الجمعة، 24 نوفمبر 2023

اشكالية قسمة التركات بنظر قاضي التنفيذ

إشكالية قسمة التركات بنظر قاضي التنفيذ

أ.د / عبد المؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

للقسمة طريقان الأول : قسمة الرضائية او الاختيارية التي يتراضى بشأنها الورثة أو الشركاء برضاهم واختيارهم ؛ وهي اسرع الطرق وأفضلها للقسمة حيث يقوم الورثة جميعا باتخاذ اجراءات  بنظرهم جميعا حيث يتفقوا على على كافة اجراءات القسمة ويقومون بالتوقيع والمصادقة على كافة الاجراءات والمحاضر اللازمة للقسمة كما قد تقع القسمة الاختيارية عن طريق اختيار الورثة او الشركاء لقسام يتولى هذه المهمة نيابة عنهم ولذلك تسمى القسمة في هذه الحالة بالقسمة الاختيارية  وليس الرضائية ؛اما الطريق الثاني للقسمة فهو القسمة الجبرية اوالقضائية وذلك حينما يمتنع بعض الورثة أو احدهم عن إجراء القسمة الرضائية ففي هذه الحالة يقوم احد الورثة برفع دعوى القسمة امام المحكمة المختصة فلا تقوم المحكمة بإجراء القسمة مباشرة  وإنما تحكم بلزوم إجراء القسمة ثم يقوم بعض  الورثة باستئناف الحكم فتقوم محكمة الاستئناف بتأييد الحكم الابتدائي الذي قضى بلزوم إجراء القسمة أي قسمتها بعد صدور الحكم نهائياً أو باتاً ، وبعد صدور الحكم الاستئنافي يقوم بعض الورثة بالطعن فيه بالنقض فتقوم المحكمة العليا بتأييد الحكم الاستئنافي وإحالة ملف القضية للتنفيذ بنظر المحكمة المختصة وهي المحكمة الابتدائية  حيث يتولى قاضي التنفيذ تنفيذ هذا الحكم وإجراء القسمة بنظره حيث  يخوض في موضوع اجراءات القسمة والمنازعات الموضوعية وردود الخصوم  ودفوعهم وتقاريرالخبراء والعدول وتقاريرهم واعتراض الخصوم عليها وكل ذلك أصلاً من المسائل الموضوعية وتنجم عن هذا الوضع  إشكاليات عدة سوف نشير اليها في سياق تعليقنا على الحكم الصادر عن الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 17/5/2011م في الطعن الشخصي رقم (43151) لسنة 1432هـ وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان غالبية الورثة تقدموا بدعوى أمام المحكمة الابتدائية المختصة التي تقع في نطاقها التركة فطلبوا من المحكمة إجراء القسمة لمخلف مورثهم فرد عليهم الوارث الابن الأكبر لمورثهم الحائز والمتصرف بالتركة بانه لا يمانع من اجراء القسمة واقر بان الأموال الواردة في الدعوى من التركة المطلوب قسمتها باستثناء  الفيلا والمحل التجاري  فهما من املاكه الخاصة حيث قدم وثائق تثبت  انه  تصالح مع أبيه في اثناء حياته حيث اتفق الطرفان   على ان تكون الفيلا والمحل التجاري للمدعى عليه مقابل سعيه وعمله مع أبيه مورث الجميع وقدم المدعى عليه للمحكمة الوثائق المؤيدة لذلك ، وقد توصلت المحكمة الابتدائية الى الحكم (بقبول الدعوى بإجراء القسمة بالنسبة للعمارة والفيلا وقسمتها بين  المدعين والمدعى عليه بنظر عدلين مختارين تحت إشراف المحكمة ورفض دعوى المدعى عليه الاختصاص  في الفيلا) فلم يقبل المدعى عليه بالحكم الاستئنافي حيث قام باستئنافه جزئياً فيما يتعلق بالفيلا وقد قام المدعون باستئناف الحكم جزئياً بالنسبة للمحل التجاري الذي قضى الحكم الابتدائي باختصاص المدعى عليه به ، وقد حكمت الشعبة الاستئنافية بتعديل الحكم الابتدائي ولزوم إجراء القسمة ، فلم يقبل الورثة المدعون بالحكم الاستئنافي الذي قضى باختصاص المدعى عليه بالمحل التجاري والفيلا حيث قاموا بالطعن بالنقض ، الا ان المحكمة العليا رفضت طعنهم وأقرت الحكم الاستئنافي ، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا (وحيث ان الحكم الاستئنافي المطعون فيه قد جاء منسجماً مع الوقائع والأدلة وموافقاً في النتيجة لأحكام الشرع والقانون لما قضى به من تعديل الفقرة الثانية وتأييد بقية فقرات الحكم الابتدائي) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:

الوجه الأول : ماهية القسمة القضائية او الجبرية وإجراءاتها :

القسمة القضائية او الجبرية: هي القسمة التي تتم بنظر القضاء لامتناع احد الورثة أو بعضهم عن إجراء القسمة الاختيارية أو الرضائية وتسمى هذه القسمة أيضاً بالقسمة الجبرية لأنها تجري جبراً على الورثة وليس اختياراً كما هو في القسمة الاختيارية او الرضائية ، وبناءً على هذا فان القسمة الجبرية أو القضائية تتم بحكم قضائي وليس عقدا رضائياً؛ وقد نظم القانون المدني إجراءات القسمة القضائية في المواد (من 1212 إلى 1219) ومنها حضور جميع الورثة أو الشركاء وحصر التركة وتقدير قيمتها واستخراج الديون ومصاريف الموت والوصايا  والوقف والنذر وتحديد الأنصبة وفرزها وان يتم ندب  عدلين خبيرين أو أكثر لإفراز الأنصبة وعدم التعويض بالنقود في القسمة الا بالتراضي أو قرار القاضي.

وفي اثناء إجراءات القسمة سواء الرضائية أو الجبرية تحدث نزاعات موضوعية لا حصر لها بشان نطاق أموال التركة التي يتم حصرها تمهيدا  لقسمتها وما اذا كان ماورد في كشوفات  الحصر هو كل مشتملات التركة ثم تحدث نزاعات موضوعية بشان تثمين مشتملات التركة واعتراضات الروثة الخصوم  على تقديرات الخبراء والعدول ثم تحدث إشكاليات ونزاعات أكثرً عند الفرز والتعيين لنصيب كل وارث أو شريك ، وتحتاج هذه الإشكاليات أو المنازعات الموضوعية الى قرارات موضوعية وليس تنفيذية كما ان مبدأ التقاضي على درجتين يقتضي  جواز الطعن فيها امام  محكمةالاستئناف  ثم الطعن بالنقض امام المحكمة العليا ، ولذلك فان الواجب ان يتم الفصل في هذه المنازعات الموضوعيةمن قبل  قاضي الموضوع المختص وليس قاضي التنفيذ.

الوجه الثاني: الفروق الجوهرية بين القسمة القضائية والقسمة الرضائية :

من خلال الدراسة لأحكام القسمة الرضائية والقسمة الاختيارية في القانون المدني نجد ان احكامهما متشابهة كثيراً لانهما وسيلتان  لفرز وتعيين نصيب كل وارث او شريك بحسب النصوص الشرعية والقانونية والاتفاقات السابقة فيما بين الشركاء والورثة ؛ إلا ان أهم فارق جوهري بينهما هو أن القسمة الاختيارية او الرضائية  تتم وفقاً للإجراءات التي يتفق عليها الشركاء أو الورثة في حين ان القسمة القضائية تتم بموجب الإجراءات المحددة في القانون إضافة إلى ان القسمة الرضائية تصدر باتفاقيات رضائية صادرة وموقعة من قبل الشركاء الورثة في حين ان القسمة الجبرية تصدر بموجب قرارات واحكام قضائية بتوقيع القاضي المختص علاوة على ان القسمة الرضائية بمثابة عقد بين الشركاء أو الورثة في حين ان القسمة القضائية الجبرية تتم بموجب حكم قضائي خاضع للطعن باعتباره حكماً.

الوجه الثالث : أفضلية القسمة الاختيارية على القسمة القضائية:

لا ريب ان القسمة الاختيارية أفضل من القسمة الجبرية او القضائية من نواحي كثيرة أهمها سرعة إجراءات القسمة الاختيارية حيث انها تتم بموجب اتفاق رضائي بين الورثة في حين ان إجراءات القسمة القضائية طويلة ومعقدة تتداخل فيها دعاوى الاختصاص التي يرفعها بعض الورثة مدعين فيها بان بعض الأموال المحسوبة ضمن التركة هي أموال خاصة بهم إضافة إلى كثرة القرارات القضائية التمهيدية وغيرها التي تصدر في اثناء إجراءات القسمة والتي تكون محلاً للتظلم والطعن فيها الذي يعرقل إجراءات القسمة كما ان القسمة بعد انتهائها بحكم منهي للخصومة من قبل المحكمة الابتدائية فان هذا الحكم الموضوعي يكون قابلاً للطعن فيه بالاستئناف ثم الطعن فيه بالنقض أمام العليا حيث تطول الاجراءات وتتعقد  ، فهناك قضايا قسمة لازالت منظورة أمام القضاء منذ أكثر من خمسين سنة حتى الان وانا مطلع عليها ، كما ان طوال إجراءات القسمة القضائية أو الجبرية يورث الأحقاد والضغائن بين الورثة الذين يتحولون إلى خصوم أمام القضاء بل وتحدث بينهم فتن تصل في أحيان كثيرة إلى قتل بعضهم بعضاً ، ولذلك ينبغي على القضاء ان يحرص حرصاً شديداً على ندب الخصوم للتصالح بدلاً عن القضاء ويجب على القاضي ان يوضح للخصوم طول إجراءات القسمة القضائية وتعقيدها براءة لذمته.

الوجه الرابع : إجراء القسمة الجبرية بموجب حكم قضائي الأولى بإجرائها قاضي الموضوع وليس قاضي التنفيذ :

من خلال ما تقدم  ظهر لنا ان المنازعات التي تثور بمناسبة إجراء القسمة تنفيذاً لحكم قضائي نهائي أو بات ظهر لنا انها منازعات موضوعية بحتة وان القاضي الذي يتولى إجراء القسمة تنفيذاً لحكم قضائي بات أو نهائي تصدر عنه قرارات ذات طابع موضوعي خاضعة للطعن بما في ذلك الطعن بالنقض الذي يمنعه القانون النافذ بالنسبة للقرارات الصادرة في منازعات التنفيذ ، علاوة على ان هذه القرارات تقرر وتنشى حقوقاً موضوعية، ولذلك فالواجب ان يختص بإجراء القسمة التي يتم الحكم باجرائها قاضي الموضوع وليس قاضي التنفيذ؛ والله اعلم.

الخميس، 23 نوفمبر 2023

شروط التدخل الانضمامي

♦️شروط التدخل الانضمامي♦️
--------------------------
✒️ القاضي مازن امين الشيباني 
(قناتنا على تليجرام)
https://t.me/mazenshaibany
---------------------------
❇️هل يجوز للمدعي الذي انضم اليه شخص من خارج اطراف الخصومة بتدخل انضمامي ان يقدم دفعا بعدم قبول التدخل الانضمامي اليه؟


من المعلوم  ان العبرة ليس بما يطلقه الخصوم على طلباتهم ودفوعهم من اوصاف وتكييف، بل العبرة بما تطلقه المحكمة على هذه الطلبات من تكييف واوصاف، فالمحكمة هي المرجع في تكييف ما يتقدم به الخصوم من طلبات ودفوع، فاذا قدم المدعى عليه دفعا بسبق ما يكذب الدعوى محضا قد تراه المحكمة انه دفعا بسبق الفصل في الدعوى، وما يطلق عليه المتدخل انه تدخل انضمامي قد تعتبره المحكمة تدخل اختصامي، شريطة ان يكون التكييف او الوصف الذي اطلقته المحكمة على الطلب او الدفع يتطابق مع القانون والا كان خاضعا لرقابة محكمة النقض باعتباره مسأله تتعلق بتطبيق القانون، 

قبل اقل من شهر تقريبا 
 استشارني شخص في قضية مضمونها ان (س)  رفع دعوى غصب عقار ضد (ص) على اساس ان العقار مملوكا له، فتقدم (ع) بطلب تدخل انضمامي الى جانب اخيه (س) طالبا رفع يد (ص) الغاصبة
 لكن على اساس ان العقار ملك لمورثهما - اي مورث المدعي وطالب التدخل

والاشكالية انه لم تكن ضمن طلباته اثبات ملك مورثه، وانما سرد ضمن اسباب طلب تدخله ان العقار ملك للمورث 


هنا دفع المدعي (س) بعدم قبول التدخل لاختلاف سبب التدخل عن سبب الدعوى، وهو ما جعلني اكتب هذا المقال بعد بحث وعناء طويل 

ولقد واجهتني مشكلة وهي ان كتب الفقه غالبا تتناول هذه المواضيع تناولا نظريا بحتا بعيدا عن التفاصيل الواقعية التي قد تواجه القاضي، وكل ما اتفقت عليه شروح الفقهاء هو  ان ((التدخل الانضمامي يؤثر في اطراف الدعوى لكنه لا يؤثر في موضوعها فيظل موضوعها كما هو دون تغيير ولا اضافة)) 

وهذا ما دفعني الى كتابة هذا المقال حول  شروط التدخل الانضمامي

 وبكل تأكيد..هذه  الشروط تفرضها طبيعة التدخل الانضمامي نفسه وهي ربما مفهومة لدى الجميع لكنها بحاجة الى اخراجها بقالب شكلي معين حتى نستطيع فهمها 

واليكم شروط التدخل الانضمامي

1️⃣الشرط الاول:- ان يكون المتدخل ليس من اطراف الخصومة لا حقيقة ولا حكما، فالمدعى عليه الذي يمثله محامي هو طرف في الخصومة حقيقة، كما ان  الخلف العام طرف في الخصومة حكما، ولذلك لا يقبل من الخلف  تدخل في الخصومة،

2️⃣الشرط الثاني وجود رابطة تربط المتدخل انضماميا بالخصم المنضم اليه تجعل مصلحتهما واحدة،  كالضامن عن المدين، فمصلحة المدين والضامن واحدة وهي الا يحكم على المدين باداء الدين،  والزام احدهما يعني الزام الاخر،  وهذا يعني انه يجب ان تكون مصلحة المنضم هي ذاتها مصلحة المنضم اليه،  ولا يكفي ان تكون مصلحة المنضم تتشابه بمصلحة المنضم اليه،  بل يجب ان تكون مصلحتهما معا واحدة،
وهكذا يجوز للبائع ان ينضم للمشتري في دعوى الاستحقاق التي يرفعها الغير ضد المشتري، لان مصلحة البائع هي ذاتها مصلحة المشتري منه لا تختلف، وتدخله انضماميا هنا يقيه العودة عليه بالتعويض مستقبلا،

اما اذا كانت المصلحة التي يطلبها طالب التدخل خاصة به فالتدخل اختصامي حتى وان تشابهت مع مصلحة المدعي، فاذا قام موظف شركة برفع دعوى ضد الشركة طالبا فيها الزام الشركة بدفع رواتبه المتاخرة ثم انضم له بقية موظفي الشركة للمطالبة بمستحقاتهم فهذا تدخل اختصامي ضد الشركة وليس انضمامي للمدعي، لان كل واحد من المتدخلين يطلب مصلحة خاصة به.

3️⃣الشرط الثالث:- ان يبنى التدخل الانضمامي على نفس السبب الذي تقوم عليه طلبات المدعي المنضم اليه، (بالنسبة للمدعي فقط)


فالتدخل الانضمامي للمدعي يجب ان يستند لنفس السبب الذي يستند اليه المدعي للمطالبة بالحق، فاذا استند المتدخل انضماميا الى سبب غير الذي استند له المدعي في دعواه فلا يعتبر التدخل انضماميا وان اتحد الطلب، فاذا رفع (س) دعوى شفعة بسبب الخلطة في حق الشرب ومجراه، ثم تدخل (ع) انضماميا الى (س) طالبا الشفعة بسبب الخلطة على الشيوع في اصل العين فهنا اختلف سبب التدخل عن سبب الدعوى فيعتبر التدخل اختصاميا ضد المدعي وضد المدعى عليه لان طالب التدخل حين سبب طلب الشفعة بالخلطة في العين نفسها فان ذلك يعني انه اولى بالشفعة من المدعي، فحتى وان اطلق على تدخله بانه تدخل انضمامي فانه لا يكون كذلك وانما تدخل اختصامي.

وشرط عدم اختلاف السبب يعني تحديدا الا يتصادم السبب الذي يستند اليه طلب التدخل مع السبب الذي قامت عليه الدعوى، اما اذا اختلف سبب التدخل عن سبب الدعوى دون ان يوجد تصادم وتعارض بينهما فذلك يسمح ان يكيف التدخل على انه انضمامي 


فاذا رفع س دعوى اخلاء عين مؤجرة كان مؤرثه قد اجرها ل(ع)بسبب انتهاء عقد الايجار المبرم بين المستأجر وبين مورثه

ثم تدخل (ص) منضما الى اخيه (س) طالبا الاخلاء كذلك ولكن بسبب عدم دفع الايجار  فهنا التدخل انضمامي وان اختلف السبب، لانه لا يوجد اي تصادم بين سبب الدعوى وسبب التدخل، 

كل ما في الامر انه سبب اضافي للسبب الذي قامت عليه دعوى الاخلاء ولا يوجد تعارض وتصادم بينهما ويمكن ان يجتمعا في طرف واحد.

4️⃣الشرط الرابع:- الا يترتب على قبول التدخل الانضمامي زيادة في التزامات المدعى عليه عما طلبه المدعي في دعواه الاصلية، اما اذا ترتب على صحة التدخل زيادة في التزامات المدعى عليه عما طلبه المدعي في دعواه فلا يعد تدخلا انضماميا بل اختصاميا، لذلك في دعوى الغصب التي يرفعها احد الورثة في عين من مخلف المورث ثم ينضم اليه باقي الورثة في هذه الدعوى، لا يوجد اي حق اخر مطلوب زيادة عما ورد في الدعوى الاصلية، فالمطلوب هو رفع يد الغاصب عن ذات العين،

 اما اذا تضمن طلب التدخل الانضمامي طلبا اضافيا يزيد من التزامات المدعى عليه حال صحة التدخل فيعتبر التدخل اختصامي، فاذا كان المدعي لم يطالب بعائدات العين المغصوبة وكل ما طلبه فقط هو رفع يد الغصب، بينما باقي الورثة طالبي التدخل طلبوا ايضا الحكم لهم بعائدات العين المغصوبة عن مدة الغصب فيعتبر التدخل اختصاميا ضد المدعى عليه وليس تدخلا انضماميا، لأنه سيترتب على صحة التدخل ان يحكم على المدعى عليه بعائدات العين المغصوبة التي لم يكن المدعي اصلا قد طلبها في دعواه،

 فكل تدخل ينتج من صحته ان يسوء مركز المدعى عليه ويزيد من الحق المحكوم به عليه يعتبر تدخلا اختصاميا وليس انضماميا.

👈🏼 الشرط الخامس
الا يكون من شأن قبول التدخل الانتقاص من الحق الذي يطلبه المدعي لنفسه، فاذا رفع س دعوى شفعة ضد ص بسبب الخلطة على الشيوع في العين، 

ثم تدخل ع انضماميا الى س طالبا ايضا الشفعة لنفس السبب بان قال جميعنا خلطاء على الشيوع في اصل العين المشفوعة، فان من شأن صحة هذا التدخل الانتقاص من الحق الذي يطلبه المدعي لنفسه، فالمدعي يطلب العين المشفوعة كاملة لنفسه، وقبول التدخل يعني ان تقسم العين المشفوعة نصفين بينه وبين المتدخل، 

وهذا يعني انه لن يحصل على العين المشفوعة كاملة وانما على نصفها،

 هنا لا يعد التدخل انضماميا بل تدخلا اختصاميا في مواجهة المدعي وفي مواجهة المدعى عليه، رغم اتحاد السبب واتحاد الحق الا ان طلب التدخل ينتقص من الحق الذي يطلبه المدعي 

اما اذا كان طلب التدخل لا ينتقص من حق المدعي الذي يطلبه كما هو الحال في دعوى الاخلاء التي ضربنا فيها المثال اعلاه فيعد التدخل انضماميا لا اختصاميا 
اخيرا .....
ان للتفرقة بين التدخل الانضمامي والتدخل الاختصامي اهمية كبيرة وبالغة، تظهر هذه الاهمية من حيث ان التدخل الاختصامي يعد دعوى جديدة تخضع لما تخضع له الدعوى الاصلية من شروط واجراءات من حيث الشكل والرسوم وعبئ الاثبات، فيرى جانبا من الفقه ان التدخل الاختصامي لا ينقضي حتى وان تنازل المدعي الاصلي عن دعواه، 

 بينما يرى جانب اخر ان التدخل الاختصامي ينقضي بانقضاء الدعوى الاصلية وهو ما لا نتفق معهم فيه باعتبار التدخل الاختصامي دعوى مستقلة وعلى المحكمة ان تنظره وتفصل فيه حتى وان انقضت الدعوى الاصلية، فلا يجوز ان يلزم المتدخل بترسيم طلب تدخله ودفع مبالغ عليه ثم نجعل بقاء هذا التدخل رهن لارادة المدعي الذي قد يكون التدخل مقدم ضده

كما ان المشرع قد اكد انه اذا كان المدعى عليه قد تقدم بطلبات مقابلة ولم يحضر المدعي في الجلسة فلا تستبعد الدعوى بل يعلن المدعي بطلبات خصمه المدعى عليه، فلا يقال ان طلبات المدعى عليه مرتبطة بالدعوى وجودا وعدما،بل تظل قائمة رغم ان طلبات المدعي قد تستبعد، ولذلك فان التدخل الهجومي ياخذ نفس الحكم، ولا ينقضي بانقضاء الدعوى الاصلية 

لذلك كان التدخل الاختصامي لا يقبل اثارته لاول مرة امام الاستئناف،

لانه طلب جديد
ودعوى جديدة 
ما يعني انه امام محكمة اول درجة يعد دعوى مستقلة عن الدعوى الاصلية اللهم انه ينظر مع الدعوى الاصلية باجراءات واحدة 



لذلك فان التدخل الذي كان محلا للسؤال بداية هذا المقال هو تدخل اختصامي وليس انضمامي ، لان السبب الذي قام عليه تدخل ع هو ان العقار محل الدعوى ملك مورثه،وهذا يتصادم مع السبب الذي قامت عليه دعوى (س) بان العقار مملوك له،وبالتالي الدفع الذي اثاره س دفع صحيح ، وفي مثل هذه الحالة على المحكمة ان تلزم طالب التدخل بتصحيح تدخله وتقديمه كتدخل اختصامي ان اراد ذلك او تقضي بعدم جواز نظره لاختلاف السبب الذي يقوم عليه عن السبب الذي قامت عليه الدعوى.
والله تعالى اجل واعلم
 دمتم برعاية الله
القاضي مازن امين الشيباني