أرشيف المدونة الإلكترونية

السبت، 17 أكتوبر 2015

قانونية التجريم والعقاب الدولية

قانونية التجريم والعقاب في المحكمة الجنائية الدولية م . عُلا كريم رحيم الملخص يتناول البحث مبدأ ( قانونية التجريم والعقاب ) أمام المحكمة الجنائية الدولية وفقاً لنظامها الأساسي ، المعلوم إن الموضوع سبق التطرق اليه وفقاً للقانون الجنائي الداخلي وتحت مسميات عدة منها مبدأ الشرعية الجنائي ومبدأ النصية ومبدأ لاجريمة ولا عقوبة إلابنص ومبدأ القانونية،ويراد التأكد هل إن المحكمة نصت عليه ؟ وإن كانت قد نصت عليه هل طبقته فعلياً ؟ وهل للمبدأ خصوصية على الصعيد الدولي ؟ المقدمة يخضع القانون الجنائي لمبدأ القانونية الجنائي وهو المبدأ الحامي لحرية الإنسان، إذ يمثل مبدأ ( لا جريمة ولا عقوبة إلا بقانون ) أو ( قانونية التجريم والعقاب ) حلقة من حلقات الشرعية الجنائية ، وهو الضامن لوحدة القانون ، وعنصراً من عناصر المحاكمة العادلة ويحمي الأنسان من خطر التجريم والعقاب ، ويجعل الشخص في مأمن من رجعية القانون وبعيداً عن خطر القياس في التجريم والعقاب ، ويضع حد فاصل بين إختصاص القاضي وإختصاص المشرع فما قرر دخوله في إختصاص الأول أخرج من إختصاص الثاني ، فلا يملك القاضي تجريم مالم يرد نص بتجريمه. ويعني مبدأ ( قانونية التجريم ) إن أي فعل أو إمتناع عن فعل لا يعتبر جريمة إلا إذا قرر القانون ذلك . فالقانون هو المصدر الوحيد لتحديد الجرائم ، أما مبدأ ( قانونية العقاب ) فيعني إن العقوبات التي تطبق جزاء فعل أو إمتناع عن فعل يجرمهما القانون يحددان بنص القانون ، فلا تفرض على شخص عقوبة إلاوفقاً لما يقرره الشارع سواء في نوع العقوبة أو في مقدارها. وإن لهذا المبدأ على الصعيد الدولي ذات الأهمية على الصعيد الوطني أو الداخلي، سواء في المحكمة الجنائية الدولية أم في المحاكم الدولية السابقة لها. فالمحكمة الجنائية الدولية إعتبرت قانونية التجريم والعقاب قاعدة من قواعدها المهمة ونصت عليه في المواد (22 و23) من النظام الأساسي ورتبت عليه جملة من النتائج ، وكان الأمر قبل إنشائها محل جدل وظهر هناك رأي بأن المبدأ لا يتفق وأحكام القانون الجنائي الدولي لعدم وجود سلطة تشريعية مركزية أو متن يضم النماذج التجريمية وعقابها إذ إن ماموجود هو قواعد عرفية وإتفاقيات ومعاهدات ، وبقي هذا الخلاف لحين إنشاء المحكمة ، ونص نظامها الأساسي على إن إختصاصها محدد بجرائم معينة محددة وهناك عقوبات أيضاً محددة على سبيل الحصر . أهمية البحث : سنحاول من خلال البحث الإجابة على الأسئلة الاتية : هل إن مبدأ قانونية التجريم والعقاب له الأهمية ذاتها في المحكمة الجنائية الدولية كأهميته في النطاق الداخلي ؟ ما أسباب تبني هذا المبدأ على الصعيد الدولي ؟ هل هناك إستثناءات ترد على قانونية التجريم والعقاب ؟ هل يجوز التوسع في تجريم النص القانوني أو القياس عليه ؟وما النتائج المترتبة على هذا التوسع ؟ هل أهدر النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية هذا المبدأ ؟ وما صور هذا الإهدار؟ إن كل هذه التساؤلات تعكس أهمية تناول هذا المبدأ بالبحث والدراس وهذا ما دفع نحو إختيار الموضوع . خطة البحث : لغرض الإجابة عن الأسئلة السابقة وغيرها سنقسم البحث وفقاً للخطة الآتية: المبحث الأول : مفهوم قانونية التجريم والعقاب ، وهو يضم ثلاثة مطالب ، المطلب الأول : تعريف المبدأ ، المطلب الثاني : تقييم المبدأ ، المطلب الثالث :خصوصية مبدأ القانونية في القضاء الجنائي الدولي المبحث الثاني : تطبيق مبدأ التجريم والعقاب في المحكمة الجنائية الدولية ، ويضم ثلاثة مطالب : المطلب الأول : تطبيق مبدأ التجريم في المحكمة الجنائية الدولية ، المطلب الثاني : تطبيق مبدأ العقاب في المحكمة الجنائية الدولية ، المطلب الثالث : التطبيق العملي للمبدأ في المحكمة الجنائية الدولية . ثم ننتهي بخاتمة يحدد فيها أهم ماتم التوصل اليه من نتائج وتوصيات . المبحث الأول مفهوم مبدأ قانونية التجريم والعقاب حري بنا ونحن نتناول مبدأ قانونية التجريم والعقاب أن نحدد وبشكل دقيق تعريف المبدأ وخصائصه وتقييمه وخصوصية المبدأ في القضاء الجنائي الدولي وذلك على النحو الاَتي : المطلب الأول : تعريف مبدأ قانونية التجريم والعقاب. المطلب الثاني: تقييم مبدأ قانونية التجريم والعقاب. المطلب الثالث : خصوصية مبدأ القانونيةفي القضاء الجنائي الدولي . المطلب الأول تعريف مبدأ قانونية التجريم والعقاب يُراد بمبدأ القانونية إن المشَرع وحده الذي يملك زمام تحديد الأفعال المعاقب عليها والمسماة جرائم وتحديد الجزاءات التي توقع على مرتكبيها والمسماة العقوبات (1)، وأختلف الفقه الجنائي في التسمية التي تطلق على قانونية التجريم والعقاب أو لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص فمنهم من يسميه مبدأ شرعية التجريم والعقاب ويراد به ( حصر مصادر التجريم والعقاب في نصوص القانون كتحديد الأفعال التي تعد جرائم وبيان أركانها وتحديد العقوبات المقررة لها سواء من حيث مقدارها أو نوعها كل ذلك من أختصاص الشارع ) (2) ، وهناك من يطلق عليه مبدأ المشروعية ويُقصد به ( تعذر فرض أي عقوبة عن أرتكاب أي فعل لم يكن القانون قد نص على تجريمه مهما كانت جسامته وخطورته )(3) ، وهناك من يطلق عليه نصية التجريم والعقاب ، ويلاحظ إن لفظ الشرعية والمشروعية والقانونية والنصية ذات مضمون واحد وهو إن أي فعل لا يعد جريمة مالم ينص عليه القانون ، وبهذا يكون الخلاف في التسمية وليس في المضمون (4). إن مبدأ القانونية هو الضمان لوحدة القانون ووضوحه بالنسبة للكافة إذ لو تُرك حق التجريم والعقاب للقضاة ، وهم بشر لا يعصمهم عن الهوى إلا نظام يخضعون له ، لتضاربت الأحكام وتدخلت في مؤاخذة الناس أهواؤهم وأمزجتهم ، كما إنه يحول عن تعسف السلطات الأخرى كالسلطة التشريعية والتنفيذية (5). ويعد المبدأ الحامي لمصلحة الفرد عن طريق تعريفه بما هو محظور عليه إتيانه وماهو جائز له فعله ، وهذا الأمر يحقق الطمأنينة للأفراد ويمنع المحاكم من توقيع أي عقوبة على الأفراد إلا إذا كان هناك نص يجرم الفعل أو السلوك الذي صدر عن الفرد ، فضلاً عن حماية المصلحة العامة وذلك من خلال حصر وظيفة التجريم والعقاب بالمشرع وحده عن طريق التشريعات التي يصدرها لهذه الغاية (6) ، لذا حرصت أغلب الدساتير والقوانين العقابية على النص عليه صراحة (7) . ويترتب على ذلك النتائج الآتية : 1- حصر مصادر التجريم والعقاب في النصوص التشريعية : نتيجة لمبدأ قانونية الجرائم والعقوبات فإن القاعدة الجنائية تمتاز عن غيرها من قواعد القوانين الأخرى بإن مصدرها الوحيد هو القانون المكتوب . وعليه فإن المصادر الأخرى مستبعدة في نطاق القوانين الأخرى كالشريعة الأسلامية أو العرف أو مبادئ القانون الطبيعي (8) . وعليه : أولا : لا يسوغ للقاضي عدَ فعل جرماً إلا إذا نص القانون صراحة على ذلك ومعنى هذا إنه لا يجوز للقاضي أن يستند في الإدانةعلى القواعد الإجتماعية أو القواعد الأخلاقية أو القواعد الدينية حتى لو كان الفعل غير مقبول دينياً أو أخلاقياً (9) . ويجب عليه أيضاً أن يلتزم بجميع عناصر التجريم وشروطه الواردة في النص فلا يستطيع أن يهمل عنصراً أو شرطاً بحجة إنه قليل الأهمية أو لا أهمية له إطلاقاً أو إن عدم الأخذ به يحقق العدالة او المصلحة العامة أو مصلحة المتضرر . ثانياً : لا يسوغ للقاضي الحكم بعقوبة لم ينص القانون عليها ، فالمشرع عندما يحدد الجريمة دون أن يحدد العقوبة فالقاضي لا يجوز له أن يبتدع عقوبة من عنده طالما المشرع لم ينص على هذه العقوبة . كما لا يجوز له أن يستبدل بالعقوبة المنصوص عليها في القانون عقوبة أخرى لم ينص عليها القانون ، كأن يستبدل الحبس بالسجن أو الغرامة بالحبس كما لا يجوز له أن يخفف العقوبة أو يرفعها إلا ضمن الحدود التي نص عليها القانون (10). 2- عدم رجعية النص العقابي : هذه القاعدة معروفة في التشريعات الجنائية الوطنية بقاعدة عدم رجعية القانون العقابي على ماصدر من سلوك جرمي سابق على تأريخ سريان القانون الجنائي وبهذا تتحقق حالة الضمان لحقوق وحريات الأفراد عندما لا يتعرض للمقاضاة عن فعل هو في أصله غير مجرم قبل نفاذ القانون ، وتعد قاعدة عدم الرجعية نتيجة لقاعدة القانونية وذات أثر في القواعد الجنائية الموضوعية فقط، أما فيما يتعلق بالقواعد الإجرائية الشكلية فإنها ذات أثر رجعي على الماضي (11) . 3- إلتزام التفسير الكاشف للنصوص : إن الخطة المتبعة بشأن تفسير النصوص الجنائية قوامها البحث عن إرادة المشرع ، وعليه فإن التفسيرالكاشف المسموح به للقاضي يجب أن يبقى في الحدود التي لا تصل إلى حد خلق جرائم وعقوبات(12) . ولايثار أي إشكال عندما يكون النص واضحاً . إذ يسهل على القاضي تفسيره وتطبيقه على الواقعة المجَرمة ، سواء أكان التفسير لمصلحة المتهم أم ضده ، فالقاضي بتفسيره النص الجنائي إنما يسعى إلى الكشف عن إرادة المشرع لا عن مصلحة المتهم ، ولكن النص قد يشوبه لبس يجعل من تفسيره أمراً صعباً وعندئذ لابد للقاضي من إستعمال شتى أساليب التفسير التي تمكنه من الوصول إلى قصد المشرع ، فأن توصل إلى ذلك طبق النص أيضاً ، سواء أكان ذلك في مصلحة المتهم أم ضد مصلحته . ولكن ما القول لو إن غموض النص جعل أمر تفسيره يبدو مستحيلاً، وأدى تأويله إلى وجوه متعددة متساوية القيمة في نظر القاضي ، منها ماهو في مصلحة المتهم ومنها ما هو في غير صالحه فبأيها يأخذ القاضي ؟ يرى بعضهم إن قاعدة الشك يفسر لمصلحة المتهم يمكن أن تطبق هنا وذلك بإهمال النص المستحيل تفسيره وعدم تطبيقه ترجيحا لمصلحة المتهم . ويرى أخرون إن هذه القاعدة لا شأن لها بتفسير القوانين ، فالأمتناع عن تطبيق النص في هذه الحالة ليس تطبيقاً لقاعدة الشك يفسر لمصلحة المتهم وإنما تطبيقاً لقاعدة أعم وأشمل هي قاعدة القانونية ، إذ يتعارض مبدأ القانونية مع تطبيق نص غامض يستحيل تفسيره(13) . 4- حظر القياس : يقصد بالقياس إعطاء حكم حالة منصوص عليها لحالة غير منصوص عليها لتشابه الحالتين في العلة ، تنحصر مهمة القاضي في تطبيق القانون لا خلق جرائم ، فلا يجوز للقاضي أن يجرم فعلاً لم يرد نص بتجريمه قياساً على فعل ورد نص بتجريمه بحجة تشابه الفعلين ، أو لإن العقاب في الحالتين يحقق نفس المصلحة الإجتماعية مما يقتضي تقرير عقوبة الثاني للأول ، لإن في ذلك إعتداء صريحاً على مبدأ القانونية ، فالجرائم لا يقررها إلا المشرع ، والقاضي لا يملك بذلك قانوناً فإن فعل يكون قد نصب من نفسه مشرعاً وهو مالايسمح به القانون (14) . ونتيجة لذلك يقع على عاتق المشرع والقاضي الواجبات الآتية : أولاً : الواجبات الملقاة على عاتق المشرع : 1- يجب على المشرع عندما يضع النص التشريعي أن يضعه بصورة واضحة ودقيقة لا لبس فيه ولا غموض . 2- يجب أن يكون النص محدداً أي يُحدد الفعل ويُحدد العقوبة المقررة لهذا الفعل بشكل واضح ودقيق حتى لا يجد القاضي في الغموض وعدم التحديد منفذاً لتجريم ماهو مباح ، كما لو حدد المشرع جريمة دون أن يُحدد العقوبة أو حدد العقوبة دون أن يبين الفعل المجَرم . 3- يجب أن تصدر هذه النصوص بأثر مباشر أي فوري إي أنَ أحكام هذا النص لا يسري إلا على مايقع من تأريخ العمل بها ولا يترتب عليها أثر فيما وقع قبلها لأن الأصل للقانون الطبيعي هو إحترام الحقوق المكتسبة . 4- يحب على المشرع أن يحترم قاعدة عدم رجعية القوانين ، وعدم الرجعية يعني أن نص التجريم لا يسري إلا على الأفعال المرتكبة بعد لحظة نفاذه ومن ثم فهو يسري على الأفعال المرتكبة قبل هذه اللحظة وتستند هذه القاعدة على نصوص صريحةفي قانون العقوبات ، فلا تفرض عقوبة ولا تدبير إحترازي من أجل عدة هي جرم لم يكن القانون قد نص عليه حين إقترافه . وهذه القاعدة هي نتيجة طبيعية لقاعدة قانونية التجريم والعقاب لإن تطبيق القانون على الوقائع المرتكبة قبل نفاذه قضاء على هذه القاعدة لإن مبدأ القانونية يضمن حقوق الأفراد وحرياتهم وعليه فإنً إنعدام الأثر الرجعي يعتبر من الأصول الجوهرية في النظام القانوني التي يجب على المشرع مراعاتها وبالتالي لا يجوز المخالفة لا بصورة صريحة ولا ضمنية ، ولكن يوجد إستثناء على هذه القاعدة وهو القانون الأصلح للمتهم ، ولهذا الأستثناء مايبرره لأن المشرع عندما يلغي عقوبة أو يقرر عقوبة أخف فلأنه وجد في العقوبة السابقة مالا يتماش مع العدالة ولا يحقق مصلحة الأفراد ومصلحة المجتمع فيلجأ إلى تخفيفها أو إعفائها لإن المقصود من العقوبة ليس الأنتقام وإنما إصلاح المجرم . ثانياً : الواجبات الملقاة على عاتق القاضي : إن واجبات القاضي تنحصر في تطبيق القانون وتفسيره والتقيد بمبدأ عدم الرجعية . تطبيق القانون : يجب على القاضي أن يلتزم بتطبيق القانون كما وضعته السلطة التشريعية ويترتب على ذلك عدة نتائج : 1- لا يجوز للقاضي إعتبار فعل من الأفعال جريمة إلا إذا نص القانون عليه فهو لا يستطيع أن يعتبر الربا مثلاً جريمة إستناداً إلى الشريعة الإسلامية طالما إن المشرع لم ينص عليه . 2- لا يجوز للقاضي الحكم بعقوبة لم ينص عليها القانون . 3- ولا يجوز للقاضي أن يستبدل العقوبة المنصوص عليها في القانون بعقوبة أخرى لم ينص القانون عليها كأن يستبدل عقوبة الغرامة بالحبس مثلاً . تفسير النصوص : فالقاضي حينما يحاكم المتهم في جرم جزائي ويريد تطبيق نص قانوني عليه ، ثم يجد هذا النص غامض فيجتهد في تفسيره ضمن حدود الفاظه ومعانيه للوصول إلى إرادة المشرع الحقيقية أي أنَ التفسير يجب أن يكون مقرراً وكاشفاً دون تضييق أو توسيع (15) . عدم رجعية القوانين : يجب على القاضي أن يلتزم بهذه القاعدة ومن ثمً لا يطبق نص التجريم إلا على الأفعال المرتكبة بعد صدور هذا النص وقاعدة عدم الرجعية هي نتيجة لقانونية التجريم والعقاب، لإننا إذا طبقنا النص الجديد على الأفعال المرتكبة قبل صدوره نكون قد خرقنا مبدأ القانونية وطبقنا القانون الجديد على الفترة الزمنية التي لم يكن فيها(16) . من خلال ماسبق يظهر إن مبدأ القانونية قد أثر وبشكل واضح على دور القاضي سواء في التجريم او العقاب ، أما دوره في التجريم فانحصر في تكييف الواقعة المرتكبة بأنها جريمة ووصف هذه الجريمة بوصف قانوني معين ولم يكن له أي دور في إيجاد نصوص التجريم فبقيت هذه الأخيرة من إختصاص المشرع . وقد أثر مبدأ القانونية أيضاً على سلطة القاضي في تحديد العقاب فظهر أن القاضي مطبق للنص مع إمكانية أن تكون له سلطة تقديرية تنسجم ومبدأ القانونية إذ لايستطيع هذا القاضي أن يفرض عقوبة لم يرد بشإنها نص ولا أن يتناول عقوبة بغير الطريقة المحددة من قبل المشرع . المطلب الثاني تقييم مبدأ قانونية التجريم والعقاب قد يسأل بعضهم عن فائدة أو قيمة هذا المبدأ ، على الرغم من أنه عُد من المبادئ الدستورية المهمة في كثير من الدول ، إلا أن جدلا فقهياً ثار حول تقديره بإعتباره أحد المبادئ الأساسية جنائياً ، إذ لم يسلم من النقد المتمثل بالآتي : 1- ذهب بعضهم إلى القول إن المبدأ جامد ورجعي ، وقد وصف هذا المبدأ بالجمود لأنه لا يستطيع مواكبة التطورات والمستجدات التي تطرأ على المجتمع ، بحيث تظهر أفعال جديدة مخلة بإمن ونظام المجتمع ولم ينص القانون على تجريمها ، ويزداد هذا الأمر صعوبة مع التطور الذي يطرأ على المجتمعات ،إذ تخلف الحضارة الإنسانية والحياة الإجتماعية المتشابكة أنواعاً مختلفة من أنماط السلوك البشري سريعة التغيير والتجدد بحيث لا يمكن مواجهته بجمود النصوص وثباتها (17) . 2- إنه يفرض الجريمة كياناً قانوني متجرداً من شخص المجرم بحيث تحدد العقوبة في كل جريمة حسب الأضرار المادية المترتبة عليها لا وفق الخطورة الكامنة في شخص الجاني أي يتعارض مع التفريد العقابي ، لذلك نادى بعضهم بضرورة تقسيم الجرمين بدلاً من تقسيم الجرائم ، فليس المهم الجريمة كواقعة مادية وإنما المهم هوالمتهم الذي هو محور الدعوى الجنائية (18) . 3- وذهب آخرون إلى أن هذا المبدأ لا يوفر الحماية الكاملة للأفراد ضد الأفعال الجديرة في ذاتها بالتجريم كونه قاصراً عن الإحاطة بجميع الأفعال المخلة بالأمن والإستقرار في المجتمع ، ونزع أي سلطة تقديرية للقاضي في معاقبة العابثين بالأمن والنظام بحجة عدم وجود نص يُجرم هذا الفعل ، فكثيراً ماتقع من الأفراد أفعال مخلة بالنظام ومنافية للأخلاق لا تجرمها الكثير من القوانين ، فمن يتناول الطعام في مكان خاص كالمطاعم والمقاهي ثم يمتنع عن دفع ثمن الطعام ففعله هذا لا يقل خطورة عن السرقة ومع ذلك فإن الكثير من القوانين لا تنص على تجريمها(19) . 4- إن المبدأ لا يتفق مع الإتجاهات الدستورية الحديثة في تفويض السلطة التشريعية، السلطة تنفيذية إختصاص إصدار قرارات لها قوة القانون(20) . 5- قيل إنه لا يمكن لجميع الناس الأطلاع على العقوبات والجرائم المنصوص عليها في القانون حتى يجتنبوها ، لذا فهو لا يحقق المساواة بين الأفراد في المجتمع ولا يحقق العدالة (21) . ونتيجة لهذه الانتقادات فقد تصدى أنصار المبدأ لها وردوا عليها بالآتي : 1- يمكن الرد على من قال إن قاعدة القانونية هي قاعدة جامدة ورجعية بالآتي : إن المشكلة ليست من النص القانوني وإنما المشكلة من السلطة التشريعية التي تشرع القوانين فقد تتقاعس أحياناً عن إصدار القوانين لمواجهة المستجدات إلا إنه يتم التغلب على هذه المشكلة بوجود سلطة تشريعية يقظة وتزويده بجميع الوسائل التي تتمكن من خلاله من ملاحقة الصور الإجرامية المستحدثة(22). 2- نجد أن المشرع رجع عن نظام العقوبات المحددة إلى نظام تفريد العقوبة حيث أعطى القاضي سلطة تقديرية واسعة نوعاً ما في هذا الشأن بحيث حدد في بعض الجرائم حدين للعقوبة ( حد أدنى – حد أعلى ) وترك للقاضي سلطة إختيار العقوبة الملائمة ضمن هذين الحدين حسب شخصية المتهم والظروف المحيطة بالجريمة ، كما حدد لبعض الجرائم عدة عقوبات وترك الحرية للقاضي بإختيار العقوبة المناسبة لشخص كل مجرم . لكن سلطة القاضي في هذا الشأن ليست مطلقة لإن القانون هو الذي يحدد حدود الملائمة ويجب على القاضي مراعاة هذه الحدود وبالتالي لا يوجد تعارض بين تفريد العقاب ومبدأ القانونية (23). ومن المستحسن أن ينوع المشرع العقوبات والتدابير لكل جريمة وأن يمنح القاضي سلطة تقديرية لكي يختار من بينها مايلائم شخصية المجرم (24) . 3- يمكن الرد على من يقول إن المبدأ لايستطيع الإحاطة بجميع الأفعال المخلة بالأمن والأستقرار في المجتمع ، إن المشرع يستطيع أن يستعمل في نصوص التجريم والعقاب عبارات بحيث يحقق التوازن بين مصلحة المجتمع وحقوق الأفراد فلا تكون هذه العبارات ضيقة بحيث يطبقها القاضي حرفياً ولا واسعة بحيث يستغل القاضي هذه النقطة ويجرم أفعال لم ينص عليها القانون وبالتالي إهدار حقوق الأفراد، كما يمكننا القول بإن الأستقرار القانوني يعلو على حماية المصالح المشتركة، فإذا تبيَن للمشرع إن فعلاً ما منافي للنظام السياسي أو الأقتصادي أو الأجتماعي بادر إلى تجريمه بنص(25) . 4- إن هذا المبدأ هو حماية وضمان لحريات وحقوق الأفراد ، إذ يوفر الطمأنينة للأفراد في مواجهة السلطة العامة . فبدون هذا المبدأ يجد الفرد نفسه تحت قبضة الدولة لتفاجئه بالتجريم والعقاب . ويرجع أساس هذا المبدأ إلى نظرية العقد الإجتماعي المفترض بين الفرد والدولة وأحد بنود هذا العقد هو تعهد الدولة بأن تعلن مسبقاً وبنصوص مكتوبة ماتعتبره جرائم وما تفرضه عليها من عقوبات (26). 5- إن المبدأ يتفق مع الإتجاهات الدستورية الحديثة التي منحت للسلطة التنفيذية حق التشريع سواء بتفويض من السلطة التشريعية أو مباشرة منها في الظروف الإستثنائية(27) . 6- إن القول إنه ليس في وسع جميع الأفراد أن يطلعوا على القانون أو أن يفهموه مردود ، لإن هناك قاعدة قانونية تنص عليها معظم القوانين مفادها إن الجهل بالقانون لا يعتبر عذراً إلا في حالة القوة القاهرة(28) ، وقرينة هذه القاعدة هي ضرورة العلم بالقانون حيث يٌفترض علم الجميع به بعد نشره في الجريدة الرسمية وعليه فإن من خالفها عن جهل يتحمل نتيجة جهله ، كما وتستند هذه القاعدة الى ضرورة تطبيق القوانين ، لإنه لو أجيزالإحتجاج بالجهل بالقانون العقابي لأصبح الجهل نافياً للقصد الجرمي وينهدم بذلك الركن المعنوي في الجرائم ، مما يضر بالمصلحة العامة ويفوت حق الدولة في العقاب (29) . 7- وفوق ذلك فإن المبدأ يرتبط بمبدأين أساسيين من مبادئ الدولة الحديثة وهما : مبدأ سيادة القانون ومبدأ الفصل بين السلطات ، فالدولة الحديثة على إختلاف أشكالها تعتبر نفسها دولة قانونية . أي تعترف بالقانون وبسيادته كأحد أهم الدعائم الدستورية الكبرى في نظام الدولة الديمقراطية ، ومعناه التزام الحاكم والمحكوم بقاعدة القانون. فإذا كان القانون يطبق على أفراد المجتمع فهو يطبق أيضا على أجهزة الدولة وهو الحكم بين تصرفات الدولة وتصرفات الأفراد العاديين ، كما يستند حق الدولة في العقاب إلى القانون بعيداً عن التعسف والطغيان ، ويدعم هذا المبدأ مبدأ الفصل بين السلطات ، حيث يظهر في المجال العقابي إن المبدأ يقيم حاجزاً بين السلطات الثلاث للدولة (30) . على الرغم من الإنتقادات التي وجهت إلى هذا المبدأ فقد إتفق أغلب الفقهاء على ضرورة بقائه في القوانين العقابية ، إذ نص عليه الإعلان العالمي لحقوق الأنسان 1948 في المادة 11 (( كل شخص متهم بجريمة يعتبر بريء إلى أن يثبت إرتكابه لها قانوناً في محاكمة علنية تكون قد وفرت له جميع الضمانات اللازمة للدفاع عن نفسه ، ولا يدان أي شخص بجريمة بسبب أي عمل لم يكن حينه يشكل جرماً بمقتضى القانون الوطني أو الدولي ، كما لا توقع عليه عقوبة أشد من تلك التي كانت سارية في الوقت الذي أرتكب فيه الفعل الجرمي )) ، كما نصت عليه الإتفاقية الدولية للحقوق المدنية والسياسية 1966، إذ نصت المادة 9 على (( لا يجوز القبض على أحد أو حبسه بشكل تعسفي كما لا يجوز حرمان أحد من حريته إلاعلى أساس القانون وطبقاً للإجراءات المقررة فيه )) . وورد التأكيد عليه في العديد من المؤتمرات الدولية ، كمؤتمرجمعية قانون العقوبات الدولية المنعقد في باريس 1936 والمؤتمر الدولي الرابع للدفاع الأجتماعي ضد الجريمة 1956 وغيرها من المؤتمرات الدولية(31) . المطلب الثالث خصوصية مبدأ القانونية في القضاء الجنائي الدولي لا يمكن القول بأن مبدأ القانونية يمكن تطبيقه بالشكل السابق في القانون الدولي الجنائي بحكم أن قواعد القانون الجنائي الدولي ليست مدونة كما هو الحال في التشريعات الجنائية الداخلية . إذ تجد الجرائم الدولية أصل التجريم في النصوص الإتفاقية والعرفية وهذا يؤدي بالقاضي الدولي إلى التوسع في حكمه ليس إعتماداً على النصوص فقط وإنما بالتفسير والقياس ، كما يمكن للقاضي أن يطبق نصاً إتفاقياً لتجريم تصرف سابق مما يجعله ذا أثر رجعي في السريان ، وإن الرأي الراجح هو السماح بالتطبيق لإن المهم هو وجود نص يُجرم أ كان سابقاً أم لاحقاً أو غامضاً(32) إن عدم وجود سلطة تشريعية مركزية في تلك الفترة جعل الباب مفتوحاً للقضاء للجوء إلى التفسير الواسع والقياس إكمالاً للنواقص ، وهذا خلاف ماموجود في التشريعات الوطنية التي تفصل بين المجرَم والمباح من الأفعال، وإن الأمر بقى على هذه الحال إلى أن أنشأت المحكمة الجنائية الدولية . وسنعرض لما كان موجود فيما يلي : المحكمة الجنائية الدولية في نورمبرغ نصت على الأفعال التي تعد جنايات وتدخل ضمن إختصاصها إلا أنها ذكرتها على سبيل المثال لا الحصر بحجة منع إفلات أي من رجال الدولة الالمانية من العقاب ، وهذا يعد خرقاً لمبدأ ( لا جريمة إلا بنص) ، ومن ناحية العقوبات فإن ميثاق المحكمة لم يعينها تاركاً لها حرية إختيار العقاب الذي تراه عادل وفقاً لوجهة نظرها(33)، وهذا ما خالف مبدأ ( لا عقوبة إلا بنص ) كما إن لائحة المحكمة لم تضع ضوابطاً وحدوداً يتقيد بها القضاة عندإنزال العقوبة, أي أن للقاضي السلطة المطلقة في تقدير العقاب، وهذا ما حصل أيضاً على وفق محكمة طوكيو ولائحتها(34) . وكان من بين الدفوع التي أثارها محامو الدفاع هو مخالفة مبدأ القانونية بشقيه المتعلقين بالجرائم والعقوبات ، كما وأُنتقدت محاكمات نورمبرغ بحجة رجعية نصوص لائحه نورمبورغ إلى ما قبل صدورها. وإن ذلك مخالفة لمبدأ مقرر لدى الأمم المتحضرة في القوانين الجنائية والتي تمنع سريان القانون على وقائع سابقة لنفاذها (35). غير أن هذه الإنتقادات تم تجاوزها على إعتبار أن الأفعال التي تمت محاكمة مجرمي الحرب عنها كانت قد إكتسبت صفتها الجنائية الدولية من إستقرار العرف الدولي على حضرها ، كما كشفت العديد من الإتفاقيات عن مضمون هذه القواعد . أما عن محكمة يوغسلافيا وفق النظام الأساسي الصادر في 1993 فإنها نصت على الجرائم الخاضعة لإختصاصها في المواد (2،3،4،5) إذ تحاكم كل من أنتهك إنتهاكاً جسيماً إتفاقيات جينيف 1948 وكذلك إنتهاكات قوانين وأعراف الحرب و جريمة إبادة الجنس البشري والجرائم المناهضة للإنسانية . أما عن العقوبات فقد نص نظام المحكمة الأساسي عليها في المادة 24 وقد ذكر العقوبات على سبيل الحصر ،لا المثال ، وهذه العقوبات هي عقوبات سالبة للحرية متمثلة بالسجن المؤقت والسجن المؤبد وعقوبات مالية متمثلة بمصادرة الأموال المتأتية من الجرائم التي يدان بها الشخص .أما عن تقدير العقوبة ، أي العوامل التي يأخذ بها القضاة عند تحديدهم العقوبة المناسبة للشخص المدان فيلاحظ إن الفقرة (ب) من القاعدة (101) من قواعد الإجراءات لمحكمة يوغسلافيا ذكرت هذه العوامل على سبيل المثال لا الحصر ليسترشد بها القضاة عند تحديدهم العقوبة ،ومنها : خطورة الجريمة التي أقترفها الشخص ، والظروف الشخصية وتعاون الشخص مع المدعي العام .وأخذ نظام محكمة يوغسلافيا بمبدأ رجعية القانون الجنائي وذلك في المادة (1) منه التي نصت (للمحكمة الدولية سلطة مقاضاة الأشخاص المسؤولين عن الأنتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني المرتكبة في إقليم يوغسلافيا السابقة منذ 1991 وفقاً لإحكام هذا النظام الأساسي ) ومحكمة رواندا نصت على الجرائم على سبيل الحصر في المواد (2،3،4) من النظام الأساسي لسنة1994 ، ونصت على العقوبات فيها على سبيل الحصر في المادة (23) ويلاحظ على الجرائم والعقوبات ، تشابهها مع ماجاء في نظام محكمة يوغسلافيا ، كما وأخذ النظام بمبدأ رجعية القانون الجنائي إلى الماضي في المادة (1) منه عندما نص على ( للمحكمة الدولية سلطة محاكمة الأشخاص المسؤولين عن الإنتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني المرتكبة في في إقليم رواندا والمواطنين الرواندايين المسؤولين عن إرتكاب هذه الإنتهاكات في أراضي الدول المجاورة بين "1 كانون الثاني / يناير 1994 و31 كانون الأول / ديسمبر 1994 " وفقاً لإحكام هذا النظام الأساسي ). ويلاحظ على المحاكم الدولية التي سبقت المحكمة الجنائية الدولية 1998،إنها خالفت مبدأ القانونية من حيث التوسع في القياس والأخذ بمبدأ الرجعية ، فضلا عن مخالفة محكمة نورمبرغ وطوكيو جوهر مبدأ القانونية عندما لم تنص على الجرائم والعقوبات على سبيل الحصر . أما عن المحكمة الجنائية الدولية فسنتناول موقفها من المبدأ بالتفصيل في المبحث الاتي. المبحث الثاني تطبيق مبدأ القانونية في المحكمة الجنائية الدولية نص النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية على مبدأ القانونية في المادتين (22 و23) ، وجاء النص على المبدأ بعد عهود طويلة كان فيها مصدر التجريم والعقاب في القانون الجنائي الدولي ( قاعدة قانونية ) ونقول قاعدة قانونية لإن مصادر التجريم والعقاب ليست كلها مكتوبة ، إذ إن أكثرها قواعد عرفية ، أي أن شكل هذا المبدأ ليس كالموجود داخلياً ، ولكن يوجد بصورة أخرى تتفق وطبيعة القانون الدولي الذي لم تتبلور قواعده لتكون مكتوبة بالكامل . لذلك يرى بعضهم أن قاعدة لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص في القانون الداخلي ، تكون صورتها كالآتي في القانون الدولي : لاجريمة ولاعقوبة إلابقاعدة قانونية (36). لكن هذا الأمر كان قبل إنشاء المحكمة الجنائية الدولية ، لكن بإنشائها تغير الأمر وأصبح المبدأ واضح ،وهناك نصوص في النظام الأساسي تحدد كل شيء من جرائم وعقوبات ،ولغرض الإحاطة بالموضوع سنقسم البحث على ثلاثة مطالب ، المطلب الأول يتناول تطبيق مبدأ قانونية التجريم في المحكمة الجنائية الدولية ، والمطلب الثاني يتناول تطبيق مبدأ قانونية العقاب في المحكمة الجنائية الدولية ، أما المطلب الثالث فيتناول التطبيق العملي للمبدأ أمام المحكمة الجنائية الدولية . المطلب الأول تطبيق قانونية التجريم في المحكمة الجنائية الدولية لقد كانت المصادر التي يتم بموجبها تحديد الجرائم الدولية هي القواعد العرفية والإتفاقيات والمعاهدات ، وبناءاً على ذلك اُعطيت صفة الجريمة الدولية لبعض الأفعال مثل الإتجار بالرقيق الأبيض والنساء والأطفال والأرهاب وغير ذلك(37) ،لكن الأمر تغير عندما قامت الأمم المتحدة بإنشاء قضاء جنائي دولي متخصص دائم لمحاكمة المتهمين بإرتكاب جرائم دولية ، المتمثل بالمحكمة الجنائية الدولية في عام 1998 ، التي إعتمد نظامها الأساسي عدة مبادئ من أهمها مبدأ القانونية . أشارت المادة (22) من النظام الأساسي إلى مبدأ قانونية التجريم ( لاجريمة إلابنص) حيث جاء في الفقرة (1) من النظام ( لا يُسال الشخص جنائياً بموجب أحكام هذا النظام الأساسي مالم يشكل السلوك المعني وقت وقوعه ، جريمة تدخل في إختصاص هذه المحكمة ) فعلى وفق هذه يكون الجاني غير مسؤول مالم يكن سلوكه الأجرامي يمثل جريمة حسب هذا النظام الأساسي ، وحسب المادة (5) من النظام الأساسي فإن المحكمة تختص بالجرائم الآتية على سبيل الحصر : 1- جرائم الإبادة الجماعية .2- الجرائم ضد الإنسانية .3- جرائم الحرب . 4- جريمة العدوان . وفي حالة كون الفعل غير داخل في إختصاص المحكمة فإنه يبقى مباحاً ، وهذا يشكل ضمانة للمتهم . أما الفقرة 2 من المادة 22 فنصت على ( يؤول تعريف الجريمة تأويلاً دقيقاً ولا يجوز توسيع نطاقه عن طريق القياس وفي حالة الغموض يكون التعريف لصالح الشخص محل التحقيق أو المقاضاة أو الأدانة ) بذلك تم التأكيد على وجوب عدم تجاوز القاضي في تطبيقه النص التجريمي على الفعل المرتكب ، الحدود الدقيقة والفاصلة التي وضعها النظام الأساسي بشأن أركان وعناصر الفعل الجرمي ، إذ إن جميع الجرائم التي ذكرتها المادة (22) بإستثناء جريمة العدوان قد تحددت أوصافها في المواد (6 ,7,8) من النظام الأساسي تحديداً دقيقاً ، فعلى سبيل المثال حددت المادة (6) جريمة الإبادة الجماعية ، وتعني أن أي فعل من الأفعال التالية يرتكب بقصد إهلاك جماعة قومية أو إثنية أو عرقية أو دينية بصفتها إهلاكاً كلياً أو جزئياً : قتل أفراد الجماعة ، إلحاق ضرر جسدي أو عقلي جسيم بأفراد الجماعة ، إخضاع الجماعة عمداً لإحوال معيشية يقصد بها إهلاكها الفعلي كلياً أو جزئياً ، فرض تدابير تستهدف منع الإنجاب داخل الجماعة ، نقل أطفال الجماعة عنوة إلى جماعة أخرى (38).فإذا لم يتصف الفعل بأي مما حدد من النماذج في المادة 6 ، لا يمكن للقاضي أن يطبق النص المذكور ، هذا ولم يُترك للقاضي سلطة تقديرية لوصف الفعل ، كذلك الحال بالنسبة للجرائم ضد الإنسانية التي لا يتطلب النظام الأساسي ان ترتكب الجريمة أثناء النزاع المسلح بل يمكن أن ترتكب وقت السلم وبهذا يؤكد النظام الأساسي على مبدأ حماية السكان من عسف الأنظمة الدكتاتورية والقمعية (39)، ويقصد بها أي فعل من الأفعال المدرجة في المادة 7 متى ما اُرتكبت في أطار هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد أي مجموعة من السكان المدنيين وعن علم بالهجوم تعد جريمة ضد الأنسانية ، وعليه يجب أن تتوفر الشروط الآتية في هذه الجرائم : 1- أن تكون هناك سياسة متبعة من الدولة أو من قبل منظمة غير حكومية . 2- أن تكون الجريمة من الجرائم المذكورة والمحصورة في المادة 7 فقرة 1 وتشمل ( القتل ، الإبادة ، الإسترقاق ، إبعاد السكان أو النقل القسري للسكان ، السجن أو الحرمان الشديد من الحرية على وجه مخالف للقواعد الأساسية للقانون الدولي ، التعذيب ، الإغتصاب ،الإستبعاد الجنسي أو الإكراه على البغاء أو الحمل القسري أو التعقيم القسري أو أي شكل من أشكال العنف الجنسي الخطير ، إضطهاد أي جماعة محددة أو مجموعة من السكان لإسباب سياسية أو عرقية أو دينية أو إثنية أو متعلقة بتحديد نوع الجنس لإسباب لايجيزها القانون الدولي ، الإختفاء القسري ، الفصل العنصري ، الأفعال اللاإنسانية التي تسبب المعاناة الشديدة أو أذى خطير يلحق الجسم أو الصحة العقلية أو البدنية ) . 3- أن ترتكب الجريمة على نطاق واسع أو على أساس منهجي. أما بخصوص جرائم الحرب فقد فصلتها المادة 8 من النظام الأساسي وتشمل الجرائم التي تمثل إنتهاكاً لإتفاقيات جنيف 1949 ، والإنتهاكات الخطيرة الأخرى للقوانين والأعراف السارية على المنازعات الدولية المسلحة ، والإنتهاكات الجسيمة للمادة 3 المشتركة بين إتفاقيات جنيف الأربع 1949 إذا كان النزاع المسلح غير ذي طابع دولي ، والإنتهاكات الخطيرة الأخرى للقوانين والأعراف السارية على المنازعات المسلحة غير ذات طابع دولي . كل ذلك إذا اُرتكبت الجرائم في إطار خطة أو سياسة عامة أو في إطار عملية إرتكاب واسعة النطاق لهذه الجرائم (40) . أما جريمة العدوان فلم يحددها النظام الأساسي ولم يبين وصفها أو النماذج الإجرامية التي تندرج في ظلها ، وأشارت الفقرة (2) من المادة (5) (( تمارس المحكمة الأختصاص على جريمة العدوان متى اُعتمد حكم بهذا الشأن وفقاً للمادتين 121 و 123 يعرف جريمة العدوان وسأضع الشروط التي بموجبها تمارس المحكمة اختصاصها فيما يتعلق بهذه الجريمة ويجب أن يكون هذا الحكم متسقاً مع الأحكام ذات الصلة من ميثاق الأمم المتحدة )). وبذلك تكون الجريمة محل إختصاص المحكمة بعد تعريفها والموافقة عليها من قبل جمعية الدول الأطراف وفقاً للمادة 5 فقرة 2 سالفة الذكر ، أما بالإجماع أو بأصوات أغلبية الثلثين للدول التي قامت بالتصديق على التعديل بعد عام من إيداع مستندات التصديق (المادة 121 فقرة 5) ، ولن تصبح جريمة العدوان قابلة للتطبيق على الرغم من ذلك بالنسبة للدول الأطراف التي لم توافق على التعديل وعلى أية حال إن جريمة العدوان سوف تسري بصورة مستقبلية على وفق قاعدة قانونية(41). لقد جرت محاولات عديدة ظهرت على الصعيد الدولي لتعريف جريمة العدوان منذ عهد عصبة الأمم ،وأستمرت المحاولات أثناء المداولات الأولى لأنشاء المحكمة الجنائية الدولية وشُكلت لجنة لدراسة إمكانية وضع مشروع لتأسيس المحكمة ، وكان من بين المعضلات التي تحول دون التأسيس عدم إتفاق الأطراف على تعريف العدوان، ورغم صدور القرار رقم 3314 قي عام 1974 عن الجمعية العامة للأمم المتحدة ، والذي عرف العدوان إلا أن المسألة لازالت محل خلاف حول التعريف(42) إن التحديد الدقيق للجرائم وأركانها يجعل المتهم على علم كامل بحدود جريمته ووصف ماهو متهم به ، بحيث يستطيع أن يواجه شدة الإتهام بما يناسبه من دفاع وإنه غير متهم بما لا أساس له أو سند . وتشير الفقرة 2 من المادة 22 من النظام الآساسي إلى ضمانة أخرى ، هي عدم جواز التوسع في تفسير النص التجريمي أو القياس عليه ، على أعتبار أن في ذلك ضرر بمصلحة المتهم ، فأي توسع في التفسير يؤدي إلى إدخال أفعال في نطاق نص التجريم ، وعلى العكس من ذلك إن التضييق في التفسير يتسبب بإخراج أفعال من نطاق التجريم وكلا الأسلوبين محل إنتقاد ، فالتوسع في التفسير يؤدي إلى إدخال البريء إلى ساحة التجريم ، بينما التضييق فيه يؤدي إلى إخراج المجرم من ساحة التجريم إلى ساحة البراءة ، وعليه يجب أن يكون تفسير النصوص مقرراً وكاشفاً للقصد الحقيقي لمشرعي النظام الأساسي (43) . ومع ذلك يفسر الغموض في نصوص النظام الأساسي لمصلحة الشخص محل التحقيق أو المقاضاة أو الأدانة ، الأمر الذي يؤدي الى أطمئنان الشخص محل المقاضاة ، فأولى ضماناته في حالة غموض النص تأتي بالتفسير لصالحه . وعليه فإن الفقرة 2 أشارت إلى قاعدتين ، هما حظر القياس في التفسير الخاص بتعريف الجريمة ، والقاعدة الثانية هي أن الشك يفسر لصالح المتهم . تجدر الإشارة إلى أن الفقرة 3 من المادة 22 تجيز إستعارة النص التجريمي وتكييف السلوك على أنه فعل إجرامي على وفق للقانون الدولي أي خارج إطار النظام الأساسي ،عندما نصت على ( لا تؤثر هذه المادة على تكييف أي سلوك على أنه سلوك إجرامي بموجب القانون الدولي خارج هذا النظام الأساسي )، وأن هذا الإستثناء يؤدي إلى نتائج خطيرة ، على إعتبار أنه يؤدي إلى إنتهاك مبدأ قانونية التجريم فيترك مجالا لإدخال نصوصاً تجريمية بحجة أنها كذلك على وفق القانون الدولي، ولا يستطيع بذلك الفرد أن يعرف المباح والمحظور من الأفعال، أضف لذلك إنه لا يوجد هناك نصوص تجريمية في القانون الدولي ، إذ إنه يعتمد على الأعراف والإتفاقيات والمعاهدات الدولية ، ونرى أن من الأفضل أن ترفع الفقرة الثالثة من المادة 22 لتعارضها مع مبدأ قانونية التجريم ، وأنها سلاح ذو حدين فهي من جهة ضد المتهم وحقوقه ، ومن جهة أخرى قد تقوي مركز الدفاع ضد القضاء لخلو القانون الدولي من نص يجرم الأفعال التي توصف بإنها جرائم دولية . وبما أن مبدأ عدم الرجعية يعد من أهم النتائج المترتبة على مبدأ القانونية على وفق القواعد العامة للقوانين الجنائية فإنه يعد كذلك على وفق القانون الدولي ، وجاء النص عليه في المادة 24 من النظام الأساسي فنصت الفقرة 1 على ( لا يسأل الشخص جنائياً بموجب هذا النظام الأساسي عن سلوك سابق لبدأ نفاذ النظام ) ، وبهذا يكون حكم النص يقتضي سريان أحكام النظام الأساسي على الاشخاص عن الوقائع التي تنسب اليهم بعد نفاذ هذه الأحكام وبالتالي لا تطبق على الوقائع التي سبق أن وقعت قبل نفاذها حتى وإن كان هذا السلوك يشكل جريمة على وفق النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية(44).والقول بغير ذلك يؤدي إلى إهدار مبدأ القانونية ، وذلك لأن الجاني سوف يعاقب بقانون لم يكن معمولاً به وقت إقتراف جريمته ، الأمر الذي يعني إعمال قواعد النظام الأساسي بأثر رجعي على نحو يخالف مبدأ قانونية التجريم . نصت الفقرة2 من المادة 24 على ( في حالة حدوث تغيير في القانون المعمول به في قضية معينة قبل صدور الحكم النهائي ، يطبق القانون الأصلح للشخص محل التحقيق أو المقاضاة أو الادانة ) ، وعلى ذلك فإن القاعدة العامة هي سريان أحكام النظام الأساسي بأثر فوري ومباشر على الوقائع التي ترتكب منذ بدء سريان أحكامه، ومع ذلك فإنه متى كان هناك قانون أصلح للمتهم – غير القانون المطبق – في قضية معينة فإن هذا القانون هو الذي سيطبق دون غيره مع ملاحظة إن ذلك لا يطبق على نص التجريم إذ إن النظام الأساسي هو المطبق وحده دون غيره بنص صريح من النظام الأساسي وإن كان النظام أيضاً قد أضاف في الفقرة 3 من المادة 22 سالفة الذكر إمكانية تطبيق وإستعارة نص التجريم من القانون الدولي ، لكن ما القانون الذي سيطبق على الدعوى المنظورة ويكون أصلح للمتهم ؟ حصرت المادة 21 من النظام الاساسي القانون الواجب التطبيق بمايلي : 1- في المقام الأول ، هذا النظام الأساسي وأركان الجرائم والقواعد الإجرائية وقواعد الإثبات الخاصة بالمحكمة . 2- في المقام الثاني ، حيثما يكون ذلك مناسباً ، المعاهدات الواجبة التطبيق ومبادئ القانون الدولي وقواعده ، بما في ذلك المبادئ المقررة في القانون الدولي للمنازعات المسلحة . 3- وإلا ، فالمبادئ العامة للقانون التي تستخلصها المحكمة من القوانين الوطنية للنظم القانونية في العالم ، بما في ذلك القوانين الوطنية للدول التي من عادتها أن تمارس ولايتها على الجريمة ، شرط أن لا تتعارض هذه المبادئ مع النظام الأساسي ولا القانون الدولي ولا مع المعايير والقواعد المعترف بها دولياً. 4- وللمحكمة أن تطبق مبادئ وقواعد القانون كما هي مفسرة في قراراتها السابقة ، أي السوابق القضائية للمحكمة الجنائية الدولية وحدها دون غيرها . ووفقاً للمادة 21 الخاصة بالقانون الواجب التطبيق والمادة 22 الخاصة بقانونية الجريمة ، فإنه لا يجوز اللجوء الى العرف كوسيلة لإسباغ صفة الجريمة على فعل ليس له هذا الوصف وفقاً للنظام الأساسي ، ذلك لأن قواعد التفسير القانوني السليم تقتضي بإن ( لا إجتهاد مع صراحة النص ) ونصوص النظام ذكرت صراحة بإن لا جريمة إلا تلك المحددة في النظام الأساسي وبالتالي ليس للعرف دور بشأن مصادر التجريم ، وحتى العقاب ، لكن دوره يبرز في تفسير وتطبيق القانون الجنائي الدولي https://www.facebook.com/216964431777597_473712262769478

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق